" تيسير الكريم المنَّان في سيرة أمير المؤمنين عُثْمَان بن عَفَّان (رضي الله عنه)"
بقلم: د. علي محمد محمد الصّلابيّ
يتحدَّث الكتاب عن شخصية أمير المؤمنين والخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفَّان (رضي الله عنه)، وعصره، وهو امتدادٌ لما سبقه من كتبٍ تحدَّثت عن الخلفاء الصّدِّيق، والفاروق، تبحث في دراسة عهد الخلفاء الرَّاشدين؛ لكي نستخرج الدُّروس، والعبر، ونستوعب السُّنن، والقوانين الإلهيَّة في حركة المجتمعات، وبناء الدُّول، ونهضة الشُّعوب، وتربية القادة، والأفراد العاملين لنشر دين الله بين النَّاس.
شرعت في هذا الكتاب بالحديث عن الخليفة الرَّاشد عثمان بن عفَّان ـ رضي الله عنه ـ الّذي قال فيه رسول الله ﷺ: «وأصدقها حياءً عثمان». وقال فيه رسول الله ﷺ في غزوة تبوك بعد تقديمه النَّفقة العظيمة: « ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم، ما ضَرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم»، وقد بشَّره رسول الله ﷺ بالجنَّة على بلوى تصيبه، وحثَّ النَّاسَ عند وقوع الفتنة أن يكونوا مع عثمان، وأصحابه، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: إنِّي سمعت رسول الله يقول:« إنَّكم تلقون بعدي فتنةً، واختلافاً ـ أو اختلافاً وفتنةً ـ، فقال له قائلٌ من النَّاس: فمن لنا يا رسول الله ؟ ! قال: عليكم بالأمين، وأصحابه » وهو يشير إلى عثمان.
تحدَّثت في هذا الكتاب عن اسم ذي النُّورين، ونسبه، وكنيته، وألقابه، وأسرته، ومكانته في الجاهليَّة، وإسلامه، وزواجه من رقيَّة بنت رسول الله ﷺ، وابتلائه، وهجرته للحبشة، وعن حياته مع القران الكريم، وملازمته للنَّبيِّ ﷺ، وعن مواقفه في غزوات رسول الله ﷺ، وعن حياته الاجتماعيَّة بالمدينة، ومساهمته الاقتصاديَّة في بناء الدَّولة، وتتبَّعت أحاديث رسول الله ﷺ في ذي النُّورين فيما ورد في فضائله مع غيره، وما ورد عن رسول الله في أخباره عن الفتنة الّتي يقتل فيها عثمان، وتكلَّمت عن مكانته في عهد الصِّدِّيق، والفاروق، وبيَّنت قصَّة استخلافه، وما قام به عبد الرحمن بن عوف من عملٍ عظيمٍ في إشرافه على إدارة الشُّورى، ورددت على الروايات الباطلة الّتي دسَّت في قصَّة الشُّورى، فأثبتُّ بطلانها وزيفها بالحجج العلميَّة، والبراهين القويَّة، والأدلَّة المنطقيَّة، وذكرت أقوال أهل العلم في أحقيَّة عثمان بالخلافة، وانعقاد الإجماع على خلافته، وشرحت منهج عثمان ـ رضي الله عنه ـ في نظام الحكم من خلال رسائله للولاة، وأمراء الجند، وعامَّة الناس، ومواقفه في الحياة، فقد وضَّح ـ رضي الله عنه ـ المرجعيَّة العليا للدَّولة، وحقَّ الأمَّة في محاكمة الخليفة، وقواعد الشُّورى، والعدل، والمساواة، والحريَّات، وأهميَّة الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر في حياة المجتمعات.
وقد أشرت إلى أهمِّ صفات عثمان ـ رضي الله عنه ـ القياديَّة، وذكرت تسع عشرة صفةً من صفاته مع المواقف الدَّالة على تلك الصِّفات الرَّفيعة، والأخلاق الحميدة، وتحدَّثت عن المؤسَّسة الماليَّة، فبيَّنت معالم السِّياسة الماليَّة الّتي أعلنها عثمان عندما تولَّى الحكم، وأنواع النَّفقات العامَّة في عهده، كصرف مرتبات الولاة، والجنود، والإنفاق على الحجِّ، وتمويل إعادة بناء المسجد النَّبويِّ، وتوسعة المسجد الحرام، وإنشاء أوَّل أسطولٍ بحريٍّ، وتحويل السَّاحل من الشُّعيبة إلى جدَّة، وتمويل حفر الآبار، ورواتب المؤذِّنين، وأشرت إلى أثر تدفُّق الأموال على الحياة الاجتماعيَّة، والاقتصاديَّة، وإلى حقيقة العلاقة بين عثمان، وأقاربه، والعطاء من بيت المال، وتكلَّمت عن مؤسَّسة القضاء، وبعض الاجتهادات الفقهيَّة لعثمان، والّتي أثرت في المدارس الفقهيَّة فيما بعد.
وجمعت فتوحات عثمان المتناثرة في كتب التَّاريخ، وقمت بترتيبها، وتنظيمها وفق حركة الجيوش في المشرق، وبلاد الشَّام، وفي الجبهة المصريَّة، والشَّمال الإفريقي، واستخرجت من حركة الفتوح دروساً، وعبراً، وفوائد، كتحقُّق وعد الله للمؤمنين، وتطوُّر فنون الحرب، والسِّياسة، والاهتمام بحدود الدَّولة، والحرص على وحدة الكلمة في مواجهة العدوِّ، وجمع المعلومات عن الأعداء، وترجمت لبعض قادة الفتوح، كالأحنف بن قيس، وعبد الرَّحمن بن ربيعة الباهلي، وسلمان بن ربيعة، وحبيب بن مسلمة الفهريّ، وأشدتُ بأعظم مفاخر عثمان في توحيده للأمَّة على قراءة المصحف العثمانيِّ، ووضَّحت المراحل الّتي مرَّت بها كتابة القرآن الكريم، وتحدَّثت عن الباعث على جمع القران في عهده، واستشارته لجمهور الصَّحابة، وعن عدد المصاحف الّتي أرسلها إلى الأمصار.
وفصَّلت أسباب فتنة مقتل عثمان، وتحدَّثت عن كلّ سببٍ من الأسباب في فقرةٍ مستقلَّةٍ، كالرَّخاء وأثره في المجتمع، وطبيعة التحوُّل الاجتماعيِّ، ومجيء عثمان بعد عمر ـ رضي الله عنهما ـ وخروج كبار الصَّحابة من المدينة، والعصبيَّة الجاهليَّة، وتوقُّف الفتوحات، والورع الجاهليِّ، وطموح الطَّامحين، وتآمر الحاقدين، والتَّدبير المحكم لإثارة الماخذ ضدَّ الخليفة الرَّاشد المظلوم، واستخدام الأساليب والوسائل المهيِّجة للناس، وعن أثر السَّبئية في أحداث الفتنة، والخطوات الّتي اتَّخذها عثمان ـ رضي الله عنه ـ لمعالجتها، ووصفت احتلال أهل الفتنة للمدينة، وحصارهم لعثمان، ودفع الصَّحابة عنه، ورفضه لذلك، وذكرت مواقف الصَّحابة من مقتل عثمان ـ رضي الله عنه ـ وما ورد من أقوالهم في الفتنة.
إنَّ هذا الكتاب يبرهن على عظمة ذي النُّورين، ويثبت للقارأى الكريم بأنَّه كان عظيماً بإيمانه، وبعلمه، وبخُلُقه، وباثاره، وكانت عظمته مستمدةً من فهمه، وتطبيقه للإسلام، وصلته العظيمة بالله واتِّباعه لهدي الرَّسول الكريم ﷺ.
إن عثمان ـ رضي الله عنه ـ من الأئمَّة الّذين يتأسَّى الناس بهديهم، وبأقوالهم، وأفعالهم في هذه الحياة، فسيرته من أقوى مصادر الإيمان، والعاطفة الإسلاميَّة الصَّحيحة، والفهم السَّليم لهذا الدِّين، فلذلك اجتهدت في دراسة شخصيته، وعصره حسب وسعي، وطاقتي، غير مدعٍ عصمةً، ولا متبرأىٍ من زلَّةٍ، ووجهَ الله الكريم لا غيره قصدتُ، وثوابَه أردتُ، وهو المسؤول في المعونة عليه، والانتفاع به، إنَّه طيِّب الأسماء، وسميع الدُّعاء.
هذا، وقد انتهيتُ من هذا الكتاب السَّاعة الثَّانية من فجر يوم الأربعاء بتاريخ 8 من شهر ربيع الثاني لعام 1423 هـ الموافق 18/6/2002 م، والفضل لله من قبلُ ومن بعدُ، وأسأله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يجعل عملي لوجهه خالصاً، ولعباده نافعاً، وأن يثيبني على كلِّ حرف كتبته، ويجعله في ميزان حسناتي، وأن يثيب إخواني الّذين أعانوني بكافَّة ما يملكون من أجل إتمام هذا الجهد المتواضع، ونرجو من كلِّ مسلم يطَّلع على هذا الكتاب ألا ينسى العبد الفقير إلى عفو ربه، ومغفرته، ورحمته، ورضوانه من دعائه {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ } [النمل: 19 ].
📘مرفق كتاب: تيسير الكريم المنان في سيرة أمير المؤمنين عثمان بن عفان (رضي الله عنه) في الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصَّلابي: http://alsalabi.com/salabibooksOnePage/693