الإثنين

1446-11-14

|

2025-5-12

إضاءة في كتاب

المسيح عيسى ابن مريم (عليهما السلام)؛ الحقيقة الكاملة

بقلم: د. علي محمد الصّلابي

طُبع كتاب "المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام): الحقيقة الكاملة" إلى عدة مرات باللغة العربية، وتم ترجمته لأكثر من ستة عشر لغة عالمية، وفي مقدمتها الإنجليزية والفرنسية والروسية والألمانية والإيطالية والإسبانية والبوسنية ولغات أخرى .. وبلغت صفحات الكتاب نحو 500 صفحة، وفيها قصة المسيح (عليه السلام) من ولادته حتى رفعه إلى السماء.

قصتي مع الكتاب

كان من أقدار الله العجيبة زيارتي مع بعض الإخوة الليبيين إلى إيطاليا بتاريخ 29/4/2015م، بدعوة من منظمة سانت أجيديو (منظمة مجتمع مدني)، وكان هدف الزيارة الحديث عن إحلال السلام والمصالحة بين الفرقاء في ليبيا، وقد حضر من طرف المنظمة كلاً من الأب أنجيلو رومانو والسيد أندريا ترينتيني والمترجمة السيدة أنجيلا الريس.

وحدث اللقاء في إحدى كنائس روما التابعة للفاتيكان، وقد تحدثت فيه عن مفهوم السلام في الإسلام، وتطرقتُ للحديث عن أسماء الله الحسنى، ومنها اسم السلام، وأن صلاتنا تبدأ بـ (الله أكبر)، وتنتهي بالسلام، وأنَّ من أسماء الجنة دار السلام. وعندما وصلت في شرحي لهم َ ﴿يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ۝ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ۝ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ۝ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾  [مريم: 28 ـ 31].

وإذ بالمترجمة تبكي، وتفيض عيناها بالدموع، ومن ذلك الموقف جاءتني فكرة، وأعتقد أنها ربانية ـ لماذا لا نخرِّج الآيات التي تحدثت عن سيرة عيسى وأمه (عليهما السلام) من القرآن الكريم، ونصوغها في كتاب منهجي فكري (حضاري) يتماشى مع روح العصر والحوار الإنساني؛ يعتمد على قول الله عز وجل قبل كل شيء في بيان حقيقة عيسى (عليه السلام) مصحوباً بخطابٍ عقلاني وأساسٍ منطقيّ، يستهدف الوجدان الإنساني المتعطش لمعرفة حقيقة المسيح عيسى ابن مريم.

مسيرة التأليف

عكفت على الآيات القرآنية وتفسيراتها المنهجية والموضوعية، وطالعت بنهم عجيب ما يتعلق بعقائد النصرانية وجذورها، وتاريخ المجامع الكنسيّة والعهد القديم والجديد من كتبهم المقدسة، وإنجيل لوقا ومتّى ويوحنّا ومرقس وبرنابا، بالإضافة إلى الرسائل الجامعية حول هذه المواضيع، والاضطهاد الذي تعرَّض له الموحِّدون من النصارى على مرِّ التاريخ، وكذلك الحوارات والمجادلات بين علماء المسلمين والنصارى قديماً وحديثاً. وبحثت في تفسير الآيات المتعلِّقة بعيسى وأمه وسيرتهما، ودعوته ومكانته بين الأنبياء والمرسلين، وما ورد من أقوال العلماء في ذلك. وقد سمّيتُ هذا الكتاب بعنوان (المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام الحقيقة الكاملة)، وقد قسمته إلى مجموعة من المباحث التفصيلية.

مضمون الكتاب

تحدثت في الكتاب عن الجذور التاريخية للوطن الذي ولد فيه عيسى (عليه السلام)، فتكلمتُ عن تاريخ فلسطين، وعهود بني إسرائيل كعهد القضاة وعهد الملوك، وعهد الانقسام، وتناولت الحالة السياسية والاجتماعية والحياة الفكرية لهم، وأثر الحضارة الإغريقية والدولة الرومانية على فلسطين وبلاد الشام، وكذلك تحدثت عن الطوائف اليهودية عند ظهور المسيح عليه السلام، وعقائدهم وأفكارهم، كالسامريين والصدوقيين والفريسيين، والقمرانيين، والاسينيين، وعن الهيكل ورجال الدين، ولماذا لُقِّب عيسى بالمسيح؟ وما الفرق بين المسيحي والنصراني؟

أما المبحث الثاني، كان عن حديث القرآن الكريم عن عيسى (عليه السلام)، وجمعت فيه المواضع التي ذكر فيها عيسى عليه السلام وأمه في القرآن الكريم، وتتبعت حديث القرآن عن جدته من أمه وعن عائلة آل عمران، ومن هم آل عمران الذين اصطفاهم الله على العالمين؟

وكان حديثي عن ولادة مريم من المنظور القرآني، وبيَّنت معنى مريم بأنها العابدة الخاشعة الخادمة للربّ، ووضحت دعاء امرأة عمران لله عز وجل، ومناجاتها له وتضرُّعها وانكسارها بين يدي ربها ومخاطبته بأسماء الله الحسنى، الربّ، والسميع، والعليم، واستجابة الله لها، وقبول دعائها، وأشرتُ إلى الكرامة التي حدثت لمريم من رزق الله لها بغير حساب، وكذلك توجُّه زكريا بدعائه إلى الله عزَّ وجل بأن يرزقه الذرية الطيبة الصالحة بعدما بلغ من الكبر عتيَّاً، واشتعل رأسه شيباً، وقبول الله لدعائه، ووقفت على نداء زكريا الخافت، وتمهيده البديع للدعاء، وبشارة الله لزكريا وهو في المحراب، وصفات يحيى (عليه السلام) التي ذكرت في القرآن، وبيّنت الحكمة، والمناسبة من ذكر قصة يحيى وزكريا (عليهما السلام) في الحديث عن سيرة مريم، وهو أنه لما ذكر الله تعالى قصة ولادة يحيى بن زكريا من عجوز عاقر وشيخ قد بلغ من الكبر عتياً، وذلك بمقتضى السنن الكونية شيء خارقٌ للعادة لعُقم المرأة وهرم الشيخ، أعقبها بما هو أبلغ وأروع من خرق العادات، فذكر ولادة عيسى (عليه السلام) من غير أب، وهي شيء أعجب من الأول بكثير.

واستفضت في الحديث عن رسالة عيسى (عليه السلام) إلى بني إسرائيل، ووجوب الإيمان بأنه عبد الله ورسوله ودعوته إلى التوحيد، وبشريته، وكيف أن القرآن الكريم جلَّى هذه الحقائق، وبيَّنها أحسن بيان، بالاستدلال السليم، والنظر القويم والمنطق الواضح، والدليل الساطع. ووضَّحتُ مكانة عيسى (عليه السلام) بين الأنبياء والمرسلين، وأن تعاليمه وهي من الله تعالى، وأنه من أولي العزم الذي ذكرهم الله في قوله تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ  كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ  اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ﴾ [الشورى: 13].

وأشرتُ إلى تصديق عيسى عليه السلام لما بين يديه من التوراة، وأوصاف التوراة في القرآن الكريم وما تعرّض له من التحريف، وإلى نزول الإنجيل عليه وما تعرَّض له من التحريف بعدما رفعه الله إليه. وتحدثت عن معجزات عيسى (عليه السلام) والحواريين، ورفعه إلى السماء. وتكلمت عن الحواريين، واستجابتهم لدعوة عيسى (عليه السلام) ونصرتهم له، وعن نزول المائدة، ثم الاستجواب الكبير لعيسى عليه السلام على رؤوس الأشهاد من رب العالمين يوم القيامة. وتحدثتُ عن مكر بني إسرائيل بعيسى (عليه السلام)، وحماية الله له، ورفعه إلى السماء، وتأكيد الله عز وجل في القرآن الكريم بأن عيسى (عليه السلام) لم يقتل، ولم يصلب في قوله تعالى: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾ [النساء: 157].

وتحدثت عن وفد نصارى نجران، ومجادلتهم لرسول الله (ﷺ)، ووضحت موقفهم من دعوة النبي (ﷺ). وفي نهاية هذا الكتاب، رأيت أن أختمه بشرح أعظم آية في كتاب الله عز وجل (آية الكرسي)، وكيف عرَّف نفسه سبحانه وتعالى لخلقه من خلالها، إذ كل ما فيها متعلق بالذات الإلهية العليّةِ، وناطقة بربوبيته وعلمه وقدرته وعظيم سلطانه.

هذا وقد انتهيت من هذا الكتاب يوم الإثنين بعد صلاة العصر الموافق لـ 20 جمادى الاخرة 1440هـ الموافق لـ 25 فبراير 2019م في مدينة إستانبول عند الساعة الخامسة والأربعين دقيقة.

والحمد لله رب العالمين

كتاب:

📘 المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام): الحقيقة الكاملة

متوفر على الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي على الرابط التالي:

http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/626

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022