الأربعاء

1446-11-02

|

2025-4-30

قراءة في تاريخ عقيـــدة أرض الميعــاد لدى اليهــود ....

مختارات من كتاب الأنبياء الملوك (عليهم السلام)

بقلم: د. علي محمد الصَّلابي

الحلقة (136)

كانت الفكرة لدى العالم في تجميع اليهـود في دولة من أيام (نابليون بونابرت) الفرنسي عام 1799م، حيث دعا يهود آسيا وأفريقيا للانضمام إلى حملته من أجل بناء مدينة القدس القديمة، وقد جند منهم عدداً كبيراً في جيشه، إلا أن هزيمة نابليون واندحاره حال دون ذلك.

ثم ابتدأت الفكرة تظهر على السطح مرة أخرى، وبدأ العديد من زعماء الغرب وكبار اليهـ..ود يهتمون بها ويؤسسون كثيراً من الجمعيات التي تنادي بهذا الأمر (الخلف، 1997، 61).

وكانت عقيدة أرض الميعاد حاضرة بقوة في المتأثرين بأفكار وثقافة وتاريخ العهد القديم للديانة اليهـ..ودية والمذهب البروتستانتي النصراني. وتتخلص هذه العقيدة في أن الله عز وجل قد أعطى اليهـ..ود منذ أن كان اسمهم (بني إسرائيل) أرض فلس..طين، ووعدهم بملكها إلى الأبد وأباح لهم -على حسب زعمهم- أن يقتلوا ويطردوا كل الأقوام الذين كانوا يعيشون فيها، كما دعاهم ألا يمكنوا أحداً من العيش فيها إلى جوارهم، فهي ملك خاص لهم وميراث خاص بهم، هذا ما آمن به اليهـ..ود منذ القديم، وهذه هي العقيدة التي استقرت في نفوسهم، حتى بعد أن طردوا منها منذ ألفي سنة تقريباً، لقد ظلوا قروناً كثيرة وهم ينتظرون الملِك المخلص والقائد المنصور (الماشيح المنتظر) ليجمعهم ويقودهم إلى فلس..طين، لكن اليهـودية الصهيونية سبقت المسيح المنتظر وقادتهم في هذه المرة إلى فلس..طين، وأعلنوا عن قيام دولتهم في منتصف عام (1948م).

لقد غرست النبوءات الكثيرة التي نسبوها إلى أنبيائهم هذه العقيدة في قلوبهم، وأنا هنا لا أناقش هذه النبوءات ومدى صدقها، فتاريخ اليهـ..ود القديم في فلس..طين يكذبها وينسفها نسفاً، وهناك العشرات من النصوص المثبتة في العهد القديم تقول بأنهم أُورثوا الأرض بشرط الإيمان والطاعة، وإن هم أخلوا بالشرط فسوف يطردون ويشتتون في أنحاء الدنيا كلها، وهذا ما كان.

مضى على طرد اليهـ..ود من فلس..طين قرون كثيرة، وصلوات العودة إلى أرض الآباء والأجداد على لسان كل واحد منهم، وظلوا يرددون في أعيادهم تحيتهم المحفوظة (العام القادم أورشليم)، وحين بدأ التخطيط لقيام دولتهم الحالية، أجمع زعماء اليهـ..ود كلهم على أن تكون فلس..طين هي أرض دولتهم، وهذا ما تقرر في مؤتمرهم الأول في (بال) بسويسرا عام 1897م (دولة، 2013، 374) ، وجاء في خطاب هذا المؤتمر: إنا نضع حجر الأساس في بناء البيت الذي سوف يؤوي الأمة اليهـ..ودية، ثم اقترح برنامجاً يدعو إلى تشجيع القيام بحركة واسعة إلى فلس..طين، والحصول على اعتراف دولي بشرعية التوطين، وكان من قرارات ذلك المؤتمر: إنشاء (المنظمة الصهيونية العالمية) لتحقيق أهداف المؤتمر، و قد تولت أيضاً إنشاء جمعيات عديدة علنية، وسرية لتخدم هذا الهدف.

وقد صرح زعماء اليهـود بتصريحات واضحة لرسم مسار تحقيق هذا الهدف الذي اجتمعوا عليه:

- يقول تيودور هرتزل في كتابة (الدولة اليهـودية): فلسطين وطننا التاريخي الذي لا يمكن نسيانه.

- ويقول ديفيد بن غوريون: إن الصهيونية لم تبدأ بمؤتمر (بال) ولا بوعد بلفور، ولا بقرارات الأمم المتحدة، بل يوم وعد الله أبانا إبراهيم بأرض فلس..طين مُلكاً أبدياً.

- ويقول مناحم بيغن: إن هذه الأرض أعطيت لنا بموجب الوعد، ومن حقنا الاحتفاظ بها (دولة، 2013، 374-375).

- ويقول الجنرال العسكري موشي ديان: إذا كنا نملك التوراة ونعتبر أنفسنا شعب التــوراة، فلا بد أن نملك الأرض التــوراتية.

- وتقول غول..دا مائير: إن هذه البلاد وُجدت تنفيذاً لوعد صدر من الرب بالذات، ومن السخف أن تطالبه بحجج حول شرعيتها.

ولا تسأل عن تصريحات الحاخام..ات الكثيرة والمثيرة؛ فهذا الحاخام زفي يهودا كوك -الشخصية الأكثر تعبيراً عن الص..هيونية الدينية- يقول: إن جميع هذه البلاد لنا، ولا يمكن تسليم أجزاء منها للآخرين، ورثناها عن آبائنا، لهذا يجب أن يكون واضحاً لا توجد مناطق عربية (دويك، 366).

يقول الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله-: إن اليهـود لهم فكرة وحيدة لا تتغير وهي: أنهم الشعب المختار، وأنهم سادة العالم، وأن ما في العالم من مال هو لهم يجب أن يستردوه، وأنهم يجب أن يهدموا المسجد الأقصى ليبنوا على أنقاضه هي.كل سليمان. وسوف ينزل الرب ليحل في هذا الهيكل، ويحكم على طريقة شعبه المختار: شعب بني إسرائيل (الغزالي، 2010، 304).

إن هذه العـــقائد الفاسدة والثقافة المنحرفة، والأفكار المغشوشة في المشروع اليهودي الصهيوني لا يمكن الوقوف أمامها، إلا بالعقائد الصحيحة، والثقافة السليمة، والأفكار الصافية التي منبعها كتاب الله وسنة رسوله الكريم.

مراجع:

1. الخلف، د. سعود، (1997)، دراسات في الأديان اليهـود ية والنص..رانية، دار أضواء السلف، ط1، 1997م، ص 61.

2. دولة، محمد علي، (2013)، كلام في اليهـود ، مجموعة مقالات في اليهـود وفي دولتهم المعاصرة، دمشق، دار القلم، ط1، 2013م، ص 374-375..

3. التاريخ اليهود ي العام، ص196.

4. كنعان، جورجي، (1980)، سقوط الإمبراطورية الإسرائيلية، دار الطليعة للطباعة والنشر، ط1، 1980م، ص 27.

5. دويك، عبدالغفار، أنبياء إسرائيل الجدد، ص 366.

6. الغزالي، محمد، (2010)، اليهـود المعتدون ودولتهم إسرائيل، دار النهضة، مصر، ط1، 2010م، ص 304.

 

لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:

كتاب الأنبياء الملوك في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي:

https://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/689


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022