الثلاثاء

1447-03-10

|

2025-9-2

معاني اسم الله تعالى "الحكيم" التي تصف حكمته سبحانه

بقلم: د. علي محمد الصلّابي

 

من أسماء ربنا جل وتعالى التي عرَّف بها نفسه إلى عباده، وذكرها في كتابه، وعلى ألسنة رسله وأنبيائه "الحكيم"، وقد ورد هذا الاسم "الحكيم" أربعاً وتسعين مرة في القرآن الكريم، كما في قوله عز وجل: "الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ" (البقرة : 32) ، "العَزِيزُ الحَكِيمُ" (البقرة : 129) ، "الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ" (الأنعام : 18) ، "وَاسِعًا حَكِيمًا" (النساء : 130).

وقال تعالى: "أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً" (الأنعام : 114) . فهذا دليل على أن اسمه أيضاً "الحكم"، وقد جاء في خمسة مواضع بصيغة الجميع منها: "وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ" (الأعراف : 87) ، و"أَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ" (هود : 45) ، و"أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ" (التين : 8).

و"الحكيم": هو الذي يُحكم الأشياء ويتقنها ويضعها في موضعها، كما قال سبحانه "صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ" (النمل : 88).

و"الحكيم" هو الذي يضع الشئ في موضعه بقدره، فلا يتقدم ولا يتأخر ولا يزيد ولا ينقص، مع ما له في ذلك من الحكم البالغة العظيمة التي لا يأتي عليها الوصف، ولا يدركها الوهم (1).

فالحكيم الذي لا يدخل تدبيره ولا شرعه خلل ولا زلل، وأفعاله وأقواله تقع في مواضعها بحكمة وعدل وسداد، فلا يفعل إلا الصواب ولا يقول إلا الحق (2) .

وأما "الحكم" فهو من له الحكم والسلطان والقدر، فلا يقع شئ إلا بإذنه وهو المدبر والمتصرِّف "كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ" (الرحمن : 29) .

و"الحكم" أيضاً من له التشريع والتحليل والتحريم، فالحكم ما شرع الله، والدين ما أمر ونهى، لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه، فاجتمع في الاسم "القدر" و"الشرع" "أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ" (الأعراف : 54) .

وحين يقول: "أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ" و"خَيْرُ الْحَاكِمِينَ"، فإن ذلك تأكيد على عدله ورحمته ووضعه الأشياء في موضعها، فليس في قدره ظلم ولا تعسُّف، وليس في شرعه محاباة ولا تحيز، بل هو حفظ للحقوق، حقوق الحاكم والمحكوم، والرجل والمرأة، والبرِّ والفاجر، والمسلم والكافر، والقوي والضعيف، وفي كل الأحوال حرباً وسِلماً، وعلى كل أحد دون استثناء، ولذا وجب على كل مسلم تحكيم كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم في دقيق أموره وجلِّها على الصعيد الفردي والجماعي، والأسري، الخاص والعام، والسياسة والاقتصاد والاجتماع والإعلام، وكل شئ من حكمه وحكمته: أنه عدل لا يظلم أحداً، ولا يحمل هذا وزر ذاك، ولا يجازي العبد بأكثر من ذنبه، ولا يدع محسناً إلا أثابه على إحسانه "إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا" (الكهف : 30) (3).

المراد بالحكمة:

الغايات المحمودة المقصودة بفعل الله وشرعه، وهي مقدمة في العلم والإدارة، متأخرة في الوجود والحصول، أي أنها تترتب على الأحوال والأفعال وتحصل بعدها (4).

والحكمة تتضمن شيئين:

أحدهما: حكمة تعود إلى الله يحبها ويرضاها، فهي صفة له تقوم به، لأن الله لا يوصف إلا بما قام به، وهي ليست مطلق الإرادة، وإلا لكان كل مريد حكيماً ولا قائل به.

ثانيهما: حكمة تعود إلى عباده، هي نعمة يفرحون ويلتذون بها في المأمورات والمخلوقات والحكمة لا يحيط بها علماً إلا الله تعالى، وبعضها معلوم للخلق وبعضها مما يخفى عليهم.

والحكمة في أفعال الله تعالى نوعان (5):

ــ الأول: حكمة مطلوبة لذاتها، كما في قوله تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" (الذاريات : 56) . وقال: "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا" (الطلاق : 12).

فبين الله أن الحكمة من خلقه الجن والإنس ليعبدوه وحده ولا يشركوا به شيئاً، وهذا أمر محبوب لله تعالى ومطلوب له، وكذلك بين أن من حكمة خلقه السماوات والأرض وتدبيره لهما علم العباد بقدرة الله وعلمه سبحانه.

ــ الثاني: حكمة مطلوبة لغيرها، وتكون وسيلة إلى مطلوب لنفسه ويوضحها قول الله تعالى: "وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَـؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ" (الأنعام : 53) ، فاللام في قوله: "لِّيَقُولواْ" دالة على الحكمة من قوله المذكور وهو امتحان بعض خلقه ببعض فكبراء القوم يأنفوم ويستكبرون عن قبول الحق عند الله رؤيتهم ضعفاء قد أسلموا فيقولون عند ذلك: "أَهَـؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا"، فهذا القول بعض الحكمة المطلوبة بهذا الامتحان، وهي وسيلة إلى مطلوب لنفسه، فامتحان الله لهؤلاء يترتب عليه شكر هؤلاء وكفر هؤلاء، وذلك يوجب آثار مطلوبة للفاعل من إظهار عدله ، وحكمته وعزته ، وقهره وسلطانه ، وعطائه من يستحق عطاءه ويحسن وضعه عنده ومنعه من يستحق المنع، ولا يليق به غيره، ولهذا قال الله تعالى: "أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ" (الأنعام : 53) (6).

 

المصادر والمراجع:

(1) مع الله، د. سلمان العودة، ص 183.

(2) المصدر نفسه، ص 185 ـ 186.

(3) مع الله، د. سلمان العودة، ص 187 ـ 188.

(4) منهاج السنة النبوية، ابن تيمية، (1 / 141) أعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن قيم الجوزية، (1 / 197 ـ 201).

(5) شفاء العليل، ابن القيم، ص 322، مسائل أصول الدين المبحوثة في علم أصول الفقه، خالد محمد نور عبد الله، (1 / 453) .

(6) المصدر نفسه، (1 / 452) .

(7) الإيمان بالقضاء والقدر، علي محمد الصلابي، ط2، دار المعرفة، بيروت، 2011، ص 249-252.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022