الأحد

1446-11-06

|

2025-5-4

من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج2):
(انضمام فرحات عباس لجبهة التحرير الوطنية)
الحلقة: 91
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
جمادى الآخرة 1442 ه/ فبراير 2021
 
واستمر الوضع متأزماً بين فرحات عباس والفرنسيين إلى أن قامت ثورة أول نوفمبر 1954م وغيرت الموازين، وأدرك فرحات عباس أن الطريق مسدود أمامه ولا يستطيع أن يفعل أي شيء لتغيير مجرى الأمور ؛ فقرر في شهر جانفي 1955م أن يتصل بالمسؤولين في جبهة التحرير عن طريق السيد عمار القامة وجاءه الرد بالإيجاب يوم 26 ماي 1955م، حيث التقى بالسيد عبان رمضان والسيد أو عمران فاستفسرهما عن إمكانية نجاح الثورة وقوة جيش التحرير، فأجابه عبان رمضان: إن جيش التحرير يملك أسلحة كافية وقادر على دحر الجيش الفرنسي ودفعه إلى البحر. وطلب عباس من عبان رمضان إذا كان في إمكانه أن يتكلم مع المسؤولين الفرنسيين عن إمكانية المفاوضات وإيقاف القتال. فقال له عبان رمضان: نحن نوافق على ذلك لكن بشرط أن تكون المفاوضات مع جبهة التحرير الوطني، ويبدو أن فرحات عباس كان متخوفاً من الانضمام المتأخر إلى ثورة الشعب، فسأل عبان رمضان ذات يوم: إننا نخشى أن يتهمنا بعض أعضاء الوفد الخارجي بأننا أخذنا قطار جبهة التحرير وهو يسير، فطمأنه عبان رمضان بقوله: إن جبهة التحرير ليست ملكاً لأحد. إنها ملك للشعب الذي يناضل.
وفي شهر أفريل من عام 1956م التحق بالقاهرة مع الدكتور فرنسيس وانضم إلى جبهة التحرير، وتحول من رجل حوار وتغيير عن طريق القانون إلى رجل ثوري يستعمل العنف والقوة لاسترداد حقوق شعبه المهضومة، ولعله كان يتذكر بإستمرار ما قاله له ذات يوم مصالي الحاج بأن ما أخذته فرنسا بالقوة لا يمكن استعادته وانتزاعه إلا بالقوة.
وفي ندوة صحفية بمصر، أعلن فرحات عباس عن الانضمام إلى جبهة التحرير الوطني، على غرار التشكيلات السياسية الأخرى، وهذا ما يعبر عن اتحاد الوطنيين ضمن جبهة التحرير الوطني، وذلك بعدما فشل في إقناع الطبقة السياسية الفرنسية بإحداث إصلاحات جذرية وحقيقية لصالح الجزائريين، معتبراً إصلاحات العشرينات والثلاثينات قد تجاوزها الزمن، واستقال نواب الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري من الجمعية الجزائرية في ديسمبر 1955م، كما قررت قيادة الحزب في اجتماع لها بسويسرا الالتحاق بجبهة التحرير الوطني، وبالتالي انتهت وللأبد فكرة الاندماج والاتحادية مع فرنسا، ومع انعقاد مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956م عين عضواً في المجلس الوطني للثورة الجزائرية ـ كسلطة تشريعية ـ ثم انضم إلى لجنة التنسيق والتنفيذ.
وقد قام بعدها بالتوجه إلى مختلف دول العالم كالبرازيل وتونس ومصر ليدافع عن القضية الجزائرية ولكسب التأييد الدولي، ليُصبح فيما بعد معروفاً دولياً بعد أن زار الدول الكبرى كالاتحاد السوفيتي والصين، ولما تشكلت أول حكومة مؤقتة للجمهورية الجزائرية في 19 سبتمبر 1958م، والتي تضمنت مختلف التيارات السياسية من الليبراليين والعلماء والعسكريين، عين الزعيم فرحات عباس كأول رئيس للحكومة الجزائرية بعد رفض ترشيح كريم بلقاسم.
لقد كان الزعيم فرحات يتمتع بقدرة على قيادة وإدارة المفاوضات بكل سهولة، كما كان يتمتع بمكانة وسمعة عالية لدى العديد من الدول، وقد احتفظ بهذا المنصب في الحكومة المؤقتة الثانية للجمهورية الجزائرية إلى غاية 20 جانغي 1960م، حيث استبدل بين يوسف بن خدة في اجتماع المجلس الوطني للثورة الجزائرية الذي انعقد من 20 إلى 28 جويلية 1961م، وذلك في ظروف تميزت بتململ الولايات الداخلية من الحكومة المؤقتة الثانية للجمهورية الجزائرية، خاصة مع وضع خطي شال وموريس اللذين قللا من التموين بالسلاح، فضلاً عن رفض كريم بلقاسم لكل تعيين للزعيم فرحات عباس على رأس الحكومة المؤقتة الثالثة للجمهورية الجزائرية.
وبعد الاستقلال في 5 جويلية 1962م ؛ عين كأول رئيس للجمعية الوطنية الجزائرية 20 سبتمبر 1962م، ثم استقال من هذا المنصب في 13 جوان 1963م، واعتقل بعدها ثم أطلق سراحه ليعتزل الميدان السياسي بسبب القمع الذي مارسه النظام السياسي الجزائري انذاك، والذي لم يسمح للمعارضة السياسية بالتعبير بحرية، وقد وصل به الأمر إلى وضعه، أي فرحات عباس تحت الإقامة الجبرية مع بن يوسف بن خدة واخرين بسبب انتقادهم للرئيس هواري بومدين وانتقادهم لدستور 1976م، ولم يطلق سراحهم إلا في 1977م حيث اعتزل الميدان السياسي من جديد.
 
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022