الأحد

1446-11-06

|

2025-5-4

المعرفة الغيبية عند ابن باديس

من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج2):
الحلقة: 158
بقلم: د.علي محمد الصلابي
ذو الحجة 1442 ه/ أغسطس 2021م



إن ابن باديس أثناء بحثه في المعرفة العقلية وجد أن هناك بعض الحقائق وقف العقل أمامها عاجزاً عن إدراكها ومعرفة حقيقتها، لأنها تفوق طاقته وقدرته في البحث والنظر والتعليل والاكشاف، كما لاحظ في نفس الوقت أن البعض الاخر ينكر عالم الغيب وينكر قدرة الإنسان على معرفته. ومن ثم تأكيد ابن باديس على أن هذه الحقائق التي لا يستطيع العقل فهم طبيعتها وفي نفس الوقت لا يستطيع إنكارها لأنها موجودة بالفعل، وأنها تمثل جانباً من عالم الغيب مثل بعض الآيات الكونية وحقائق الكهرباء في الكون والقدر والروح، بل العقل نفسه في الإنسان ؛ أضافها ابن باديس إلى هذه الحقائق التي يصعب على العقل إدراك حقيقتها، واطلق اسم المعرفة الغيبية على هذا النوع من المعارف والحقائق التي لا يحكمها البرهان العقلي ويصعب تحديدها.
ورأى ابن باديس أن وقوف العقل عند حدود هذه الحقائق التي تفوق طاقته ووقوفه عند حد النظر والاعتبار في الحقائق الممكنة ؛ فتلك حكمة الله في كونه أن يقف العقل بقدراته في حالة عجز أمام عالم الغيب، حتى لا تختلط الحقائق بالأوهام أو حقائق الغيب بحقائق العلم. ومن هنا يأتي تحذير ابن باديس المتكرر من خطر الإعجاب بالعقل وقدراته المعرفية حتى يحسب أنه محيط بالحقائق كلها وأن مدركاته يقينيات بأسرها، فعندها يؤديه حسبانه الأول إلى الفتنة بالمدركات ويحسب أنه لا شيء بعدها وقد يخرج إلى إنكار خالقها، ويؤديه حسبانه الثاني إلى الذهاب في ظنونه وأوهامه وفرضياته إلى غايات لا نسب بين اليقين وبينها، فكان من لطف الله بالإنسان أن جعل لعقله حداً يقف عنده وينتهي إليه ليسلم من هذا الخطر خطر الإعجاب بالعقل.
والمعرفة الغيبية عند ابن باديس هي معرفة غير مباشرة، وظنية وليست يقينية، بل هي نوع من الوهم الذي
لا يكون معرفة بحال، لأنه مجموعة من الصور الخيالة المحتوية على مجرد الظن أو التخمين.
ومن هنا تختلف تلك المعرفة عن المعرفة المباشرة التي أجازها الله سبحانه لأصفيائه من الرسل والصالحين للإعلام عن أشياء مستقبليه يجب معرفتها من جانب الرسل، وهذه المعرفة لا تتعارض ولا تتنافى مع إطلاع الله تعالى لأنبيائه على بعض ما يكون في المستقبل، إذ أنه علم محدود في شيء مخصوص كان بإعلام الله لهم، ولا يتجاوز علمهم إلى ما عداء في أحشاء المستقبل من الغيب ولا لما في الحال منه مما لم يعلموا به.
ويميز ابن باديس بين الظن المؤيد بالشرع وبين العلم بالغيبيات، ويؤكد أن العلم الحقيقي لا يؤيد الدخول في الغيبيات وخاصة أحوال ما بعد الموت، ففيها يكتفى بما جاء في القرآن أو ثبت في حديث عن الملائكة والجن والعرش والكرسي واللوح والعلم بعلامات الساعة وما لم يصل إليه علم البشر.


يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:
http://alsallabi.com 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022