الأحد

1446-11-06

|

2025-5-4

(المعرفة الفطرية عند ابن باديس)

من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج2):

الحلقة: 157

بقلم: د.علي محمد الصلابي

ذو الحجة 1442 ه/ أغسطس 2021

 

يرى ابن باديس أن المعرفة الفطرية هي أصل المعرفة الإنسانية، وهي نوع من الإدراك المتطور للمعلومات وللحقائق في بساطتها وبداية نشأتها، وأن هذه المعرفة تتميز عن المعرفة التي للحيوان، لأن المعرفة الحيوانية فطرية بحتة وأنها نوع من أنواع الإدراك الأولي البسيط، أما المعرفة الإنسانية فيمتاز الإدراك فيها بالتركيب والتحليل والتطبيق.

ويعلل ابن باديس أهمية هذه المعرفة ويحدد حقائقها المميزة في:

أن المعرفة خاصة بالجانب الإلهي وحده وأنها تتحقق من خلال ثلاث مراحل من العلم:

الأولى: علم بالله لمعرفة صفاته ونعوته.

والثانية: علم من الله لمعرفة الظاهر والباطن والحلال والحرام والنهي والأحكام.

والثالثة: علم مع الله وهو معرفة تقوم على الخوف والرجاء والمحبة والشوق.

ـ أن هذه المعرفة تساعد الإنسان في التغلب على عناصر الطبيعة والتحكم فيها بما فيها من حيوان وجماد وتسخيره لمصلحته، أما رقي أطوار التقدم في حياته فيرجع للعقل الذي هو القوة التي امتاز بها وساد هذا العالم الفاني.

ـ وأن هذه المعرفة تتميز بأنها إيمانية وقلبية وكامنة في النفس وأنها يقينية وصادقة بطبيعتها، ويمكن التأكد من وجودها وصدقها بوسيلتين، إما بسؤال الغير من أهل العلم، وإما من طريق معرفة الإنسان لنفسه، لأن هذه المعرفة مغروسة في النفس وواجب الاعتراف بها، وهذا ما يؤكده ابن باديس بقوله: من عرضت له شبهة وجب عليه أن يبادر إلى إزالتها بالنظر لنفسه أو بسؤال غيره من أهل العلم، وإن هذه المعرفة بدون الإذعان القلبي والخضوع لا تفيد شيئاً، ومن لم يخضع قلبه لما عرفه من عقائد الإسلام لم تفده تلك المعرفة ولم يكن بها من المسلمين.

ـ إن المعرفة الفطرية الإيمانية لا تتكرر ولا تتعارض مع المعرفة الحسية والعقلية ولا تنفصل عنهما، ولكي تستكمل هذه المعرفة وظيفتها ويستمر صدقها ؛ لابد من أن نحذر العديد من العوامل التي تؤدي إلى فساد الإدراك والفطرة السليمة مثل:

الأخذ بظاهر الأشياء والتسرع في الحكم، وهو ما حذرنا منه ابن باديس فيقول: علينا أن نحذر الاعتراض أو الحكم لأنظار السطحية دون بحث عن الحقائق، أو أن نلحق شيئاً بشيء دون أن يتحقق انتفاء جميع الفوارق، فقد انتشر بعدم الحذر من هذين الأمرين جهالات، وارتكبت ضلالات. والجهل المركب والقياس الفاسد هي أعظم أصول الفساد والضلال.

ـ الاغترار بقدرة العقل المطلقة على اكتشاف كل مجهول، فيجب أن نحذر ذلك أي خطر الإعجاب بالعقل، وضرورة وضع الحدود له حسب قدرته.

ـ يقول ابن باديس: إن قلوبنا معرضة لخطرات الوساوس والأوهام والشكوك، فالذي يثبتها ويدفع عنها الاضطراب ويربطها باليقين هو القرآن العظيم، ولقد ذهب قوم مع تشكيكات الفلاسفة وما حكاه المتكلمين ومناقضتهم فما ازدادوا إلا شكاً وما ازدادت قلوبهم إلا مرضاً، حتى مع كثير منهم في أواخر أيامهم عندما لجؤوا إلى القرآن وعقائده وأدلته فشفوا بعدما كادوا كإمام الحرمين والفخر الرازي.

ـ الحيرة والاضطراب والضلال لناتج عن خفاء الحقيقة، وفي بيان الحقيقة الهدوء والاطمئنان وإنارة السبل للعاملين، وفي معرفة الحقيقة راحة للإنسان وفي بعدها الحيرة والقلق والاضطراب.

ـ الحقد والبغض بين الناس يحول بين معرفة الحق والصدق، وكل من يريد أن يعرف الحق بفطرته عليه أن يخلي قلبه ما استطاع من الحقد والبغض، لأنه إذا سلم القلب وحصل الفهم أثرت كلمة الحق أثرها لا محالة.

ـ المال والجاه والرئاسة والسلطة، بها يطغى الإنسان ويتعالى ويتعاظم، فالسلطة كلها قواطع تبعد الإنسان عن الحق والإدراك السليم وتغلّ الفكر.

 

يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:

http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022