(الرعاية الخاصة بالبنت واليتيم في الإسلام)
من كتاب الدولة الحديثة المسلمة دعائمها ووظائفها:
الحلقة: الثانية و الستون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ربيع الأول 1443 ه/ أكتوبر 2021
من القواعد الأساسية في تربية البنت.
*ـ النهي عن كراهية البنت:
صحح القرآن الكريم النظرة والتصور عن البنات والتي كانت ومازالت ذائعة الصيت في المجتمعات الجاهلية فوجَّه العقول إلى تصحيح النظرة إليها وتعديل التصور عنها، قال تعالى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ﴾ (النحل ، آية : 58 ـ 59).
ثم هزَّ النفس البشرية وسألها وسأل ضميرها، لتستيقظ من جهلها(1).
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «إن الله كره لكم ثلاثاً عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات»(2)، وفي ختام هذه القاعدة نذكّر بقول الله تعالى: ﴿لِلهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ (الشورى، آية : 49 ـ 50).
وقد قال الله تعالى في حق النساء : ﴿فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ (النساء، آية : 19). وهكذا البنات قد يكون للعبد فيهن خير في الدنيا والآخرة، ويكفي في قبح كراهتهن أن يكره ما رضيه الله وأعطاه عبده، فالخيرة فيما اختاره الله للعبد، لا فيما اختاره لنفسه(3).
ـ المساواة بين الذكر والأنثى وعدم المفاضلة بينهما في التعامل:
جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم المساواة في المعاملة بين الأولاد سبب في دخول الجنة وذلك في عدم إيثار الصبي على البنت وإنما هم في الحب سواء وفي العطاء سواء وفي تقديم الهدايا والمال سواء وفي التعليم سواء وفي المعاملة سواء وحتى في القبلة سواء بسواء، وروى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كانت له أنثى فلم يئدها ولم يهينها ولم يؤثر ولده ـ يعني الذكر ـ عليها أدخله الله الجنة»(4).
وعن أنس رضي الله عنه أن رجلاً كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء ابن له فقبَّله وأجلسه على فخده وجاءت بنت له فأجلسها بين يديه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا سويت بينهم»(5).
بهذه الدقة النبوية في التعامل مع الصبي والبنت مما لا تعرفه جميع المجتمعات البشرية، ولا تعلمه الكتب الغربية في تربية الأطفال ولا يخطر على عقول من يسمون أنفسهم علماء النفس التربويين(6).
*ـ أجر التربية والإحسان والصبر على البنات:
لم تقف الشريعة الإسلامية في مواجهة النفس البشرية لتعاكسها وإنما لتهذيبها ففي مقابل تربية البنات كان الأجر الكبير، وفي مقابل الصبر عليهن الثواب العظيم، وذلك ليسكن من ألم الوالدين، ويرطب من خاطرهما ويشعرهما بأهمية عملهما ودورهما في هذه الرعاية والعناية لهن(7).
روى الإمام أحمد عن عقبة بن عامر الجهني يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من كانت له ثلاث بنات فصبر عليهن فأطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته كان له حجاباً من النار يوم القيامة»(8)، فالبنت أم المستقبل ومؤسسة المجتمع في الغد القريب، وصانعة الأبطال، ومؤثرة في حركة التاريخ في القريب العاجل(9).
ـ تربية اليتيم واليتيمة:
يعرّف النبي صلى الله عليه وسلم مرحلة اليتيم بأنها دون سن الاحتلام، فإذا حصل الإحتلام فعند ذلك انتفت عن الطفل صفة اليتيم، روى أبو حنيفة في مسنده عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يتم بعد حلم»(10)، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتم بعد إحتلام(11).
وتتلخص تربية اليتيم في قواعد من أهمها:
*ـ أجر رعاية اليتيم وتربيته:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا وكافل(12) اليتيم في الجنة هكذا» وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما(13).
*ـ حفظ مال اليتيم والتجارة بماله:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أنزل الله :﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ (الإسراء، آية : 34).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ (النساء، آية : 10).
قال: انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه، فجعل يفضل الشيء من طعامه وشرابه فيحبس حتى يأكله أو يفسد فاشتد ذلك عليهم فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ﴾ (البقرة، آية : 220). وخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم(14).
وعن مالك بن أنس رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة(15).
وهكذا وجدنا اهتمام رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل من الضعيفين البنت واليتيم فوجه الأمة إلى زيادة الاهتمام بهما والحرص عليهما والإحسان لهما، وأنها مكرمة أي مكرمة(16).
مراجع الحلقة الثانية والستون:
( ) منهج التربية النبوية للطفل، محمد نور سويد ص: 189.
(2) مجمع الزوائد للهيثمي (8/ 147)، رجاله رجال الصحيح.
(3) منهج التربية النبوية للطفل، ص: 191.
(4) سنن أبي داود، منهج التربية النبوية للطفل، ص: 191.
(5) مجمع الزوائد (8/ 156).
(6) منهج التربية النبوية للطفل، ص: 191.
(7) المصدر نفسه، ص: 192.
( رواه ابن ماجة، صحيح الجامع، رقم: 6488.
(9) منهج التربية النبوية للطفل، ص: 192.
(0 ) عقود الجواهر المنيفة (2/ 94) للزبيدي.
(1 ) جامع الأصول (11/ 642) حسن بشواهده.
(2 ) كافل: القائم بأموره.
(3 ) صحيح ورواه أحمد وأبو داود والترمذي.
(4 ) الحاكم في مستدركه (2/ 303).
(5 ) مالك في الموطأ، منهج التربية النبوية للطفل، ص: 195.
(6 ) منهج التربية النبوية، ص: 196.
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الحديثة المسلمة دعائمها ووظائفها
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/Book157.pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com