(زهد عمر وأبي بكر رضي الله عنهما في الخلافة)
الحلقة: 16
بقلم: د.علي محمد الصلابي
ربيع الآخر 1443 ه/ ديسمبر 2021
بعد أن أتم أبو بكر حديثه في السقيفة قدّم عمر وأبا عبيدة للخلافة، ولكن عمر كره ذلك، وقال فيما بعد: فلم أكره مما قال غيرها، كان والله أن أقدم فتضرب عنقي ولا يقرِّبني ذلك من إثم أحب إلي من أن أتأمَّر على قوم فيهم أبو بكر.
ومن هذه القناعة من عمر بأحقية أبي بكر بالخلافة، قال له: ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده قال: فبايعته وبايعه المهاجرون والأنصار.
وجاء في رواية: قال عمر:... يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر أن يؤمَّ الناس، فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر رضي الله عنه؟ فقالت الأنصار: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر.
وهذا ملحظ مهم وُفّق إليه عمر رضي الله عنه، وقد اهتم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته، فأصرَّ على إمامة أبي بكر، وهو من باب الإشارة بأنه أحق من غيره بالخلافة، وكلام عمر رضي الله عنه في غاية الأدب والتواضع والتجرد من حظ النفس، ولقد ظهر زهد أبي بكر في الإمارة في خطبته التي اعتذر فيها من قبول الخلافة، حيث قال: والله ما كنت حريصاً على الإمارة يوماً ولا ليلة قط، ولا كنت فيها راغباً، ولا سألتها الله عز وجل في سر ولا علانية، ولكن قلدت أمراً عظيماً ما لي به من طاقة ولا يد إلا بتقوية الله عز وجل، ولو وددت أن أقوى الناس عليها مكاني.
وقد ثبت أنه قال: وددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين: أبي عبيدة أو عمر، وكنت وزيراً، وقد تكررت خطب أبي بكر في الاعتذار عن تولي الخلافة وطلبه بالتنحي عنها فقد قال:... أيها الناس هذا أمركم إليكم فولوا من أحببتم على ذلك، وأكون كأحدكم، فأجابه الناس: رضينا بك قسماً وحظاً، وأنت ثاني اثنين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد قام باستبراء نفوس المسلمين من أية معارضة لخلافته، واستحلفهم على ذلك، فقال: أيها الناس أذكر الله أيما رجل ندم على بيعتي لما قام على رجليه، فقام علي بن أبي طالب، ومعه السيف، فدنا منه، حتى وضع رجلاً على عتبة المنبر والأخرى على الحصى، وقال: والله لا نقيلك ولا نستقيلك، قدّمك رسول الله فمن ذا يؤخرك؟ ولم يكن أبو بكر وحده الزاهد في أمر الخلافة والمسؤولية، بل إنها روح العصر.
حرص الجميع على وحدة الأمة:
من هذه النصوص التي تمّ ذكرها يمكن القول: إن الحوار الذي دار في سقيفة بني ساعدة لا يخرج عن هذا الاتجاه، بل يؤكد حرص الأنصار على مستقبل الدعوة الإسلامية، واستعدادهم المستمر للتضحية في سبيلها، فما اطمأنوا على ذلك حتى استجابوا سراعاً لبيعة أبي بكر الذي قبل البيعة لهذه الأسباب، وإلا فإن نظرة الصحابة مخالفة لرؤية الكثير ممن جاء بعدهم ممن خالفوا المنهج العلمي، والدراسة الموضوعية، بل كانت دراستهم متناقضة مع روح ذلك العصر، وامال وتطلعات أصحاب رسول الله من الأنصار وغيرهم، وإذا كان اجتماع السقيفة أدى إلى انشقاق بين المهاجرين والأنصار كما زعمه بعضهم، فكيف قبل الأنصار بتلك النتيجة وهم أهل الديار وأهل العدد والعدة؟ وكيف انقادوا لخلافة أبي بكر، ونفروا في جيوش الخلافة شرقاً وغرباً مجاهدين لتثبيت أركانها، لو لم يكونوا متحمسين لنصرتها.
فالصواب اتضح على حرص الأنصار على تنفيذ سياسة الدولة، والاندفاع لمواجهة المرتدين، وأنه لم يتخلّف أحد من الأنصار عن بيعة أبي بكر فضلاً عن غيرهم من المسلمين، وأن أخوة المهاجرين والأنصار أكبر من تخيلات الذين سطروا الخلاف بينهم في روايتهم المغرضة.
يمكنكم تحميل كتاب التداول على السلطة التنفيذية من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي