الإثنين

1446-11-07

|

2025-5-5

إضاءات حول نسب إبراهيم خليل الله (عليه السلام)

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 3

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

ذو القعدة 1443 ه/ يونيو 2022م

قال الحافظ بن حجر: وحكى الطبري من طريق ضعيفة عن مجاهد أن آزر اسم الصنم، وهو شاذّ، هذا من جهة الإسناد، أما من حيث اللغة، فقد قال الطبري في تفسيره: هو قول من الصواب من جهة العربية بعيد، وذلك أن العرب لا تنصب اسماً بفعل بعد حرف الاستفهام، لا تقول: أخاك أكلّمت؟ وهي تريد: أكلّمت أخاك؟ وأما قولهم: إنما هو سبّ لأبيه وعيب، فبعيد أيضاً؛ لأن ذلك لا يصدر من نبي نحو أبيه، وبخاصة من إبراهيم - عليه السّلام - الذي يردّ على أبيه بعد أن هدّده بقوله: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} ]مريم:46[، فيقول له إبراهيم- عليه السّلام -: {سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} ]مريم:47[.

فهل يُعقل ممن يتأدب مع أبيه هذا الأدب في حدة الجدل والمناظرة أن يبدأ دعوة أبيه إلى دينه قبل الجدال بالشتم والسّب؟ .(1)

وممّا يردّ هذا القول أيضاً ما قاله أبو حيّان في البحر المحيط: "أن لفظ آزر إذا كان صفة أُشكل منع صرفه، وأشكل وصف المعرفة به وهو نكرة وإن حاول المحاول بعد ذلك توجيهه بتكلّف" .(2)

وأما القول بأن آزر لقب لأبي إبراهيم، أو أن له اسمين، كإسرائيل ويعقوب،(3) فقول مقبول لو قام عليه دليل، ولا دليل سوى محاولة التوفيق بين الروايتين، وأما تأويل الأب بالعمّ، فصرف اللفظ عن ظاهره، وعدول عن الحقيقة إلى المجاز، من غير قرينة تدل على إرادة المجاز، ولو ذهبنا نتأول النصوص الصريحة بمثل هذا، لبطلت دلالة الألفاظ على المعاني، بل إنَّ القرائن كلها تشير إلى أن المراد من اللفظ حقيقته لا مجازه ومن ذلك قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} ]التوبة: 114[.

وكذلك ما ورد من آيات في سورة مريم والأنبياء والصافات والزخرف والممتحنة، ففي هذه المواطن كلها كان التصريح بأن دعوة إبراهيم - عليه السّلام - كانت لأبيه فلماذا نحمل الحقيقة على المجاز، ونصرف اللفظ على ظاهره والدواعي كلها تقضي بعدم صرفه . (4)

وأما من سُمّي قراءات في لفظ آزر، فإنها "روايات لا سند لها، وليست ثابتة عند علماء القراءات، بل هي أضعف من أن توصف بأنها قراءات شاذة، والقراءات الصحيحة المعروفة لم ينقل فيها إلا قراءة "آزر" بفتح الراء وبضمها"،(5) وقراءة الضّم حجة واضحة في أنه علم؛ لأنه منادى وبعد، فإن هذا الاختلاف الشديد في اسم أبي إبراهيم - عليه السّلام - يرجع إلى أمرين: الأول: قول النسّابين، والثاني: ما ورد في كتب أهل الكتاب.

أما قول النسّابين فينبغي ألّا يعوّل عليه؛ لأن الأنساب القديمة لا سبيل إلى التثبّت فيها، ويكثر فيها الاختلاف والاضطراب، وقد روى ابن سعد في الطبقات بإسناد عن ابن عباس: أنَّ النبي (صلّى الله عليه وسلّم) كان إذا انتسب لم يتجاوز في نسبه معدّ بن عدنان بن أُدَد ثم يُمسك ويقول: كذب النسّابون، قال الله عز وجل: {وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} ]الفرقان:38[، وأما كتب أهل الكتاب فلا يصح الاعتماد عليها والقطع بما جاء فيها، فكيف إذا خالفت دليلاً من القرآن والسنة؟

وقد وصف الله تبارك وتعالى بأن القرآن الكريم مهيمن ورقيب على غيره من الكتب، فقال: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} ]المائدة: 48[.(6)

ولعلَّ حديث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه، والذي يصرح فيه باسم والد إبراهيم - عليه السّلام - يقوّي ويرجّح ويصحّح القول بأن اسمه آزر وليس تارح، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال: يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة، وعلى وجه آزر قترة وغبرة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصني؟ فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك. فيقول إبراهيم: يا رب! إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد، فيقول الله تعالى: إني حرمت الجنة على الكافرين، ثم يقال لإبراهيم: ما تحت رجليك؟ فينظر فإذا هو بذيخ متلطخ، فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار،(7) ويزيد هذا القول قوةً أنَّ المؤرخ المسيحي اليوناني يوسيفوس ذكر أن أبا إبراهيم الخليل يُدعى "آثر"، ولا يخفى التقارب بين آزر وآثر، والبعد بينه وبين تارح.(8

مراجع الحلقة الثالثة:

( ) المعرّب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم، أبو منصور الجواليقي، ص361.

(2) إبراهيم عليه السلام ودعوته في القرآن الكريم، أحمد البراء الأميري، ص 188.

(3) تاج العروس في جواهر القاموس، محمد مرتضى الزبيدي، (3/13).

(4) المعرّب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم، أبو منصور الجواليقي، ص362.

(5) النشر في القراءات العشر، ابن الجزري (2/350).

(6) إبراهيم عليه السلام ودعوته في القرآن الكريم، أحمد البراء الأميري، ص 189.

(7) صحيح البخاري، رقم (3350).

(8 إبراهيم عليه السلام ودعوته في القرآن الكريم، أحمد البراء الأميري، ص 190.

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي

http://alsallabi.com/uploads/books/16228097650.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022