الإثنين

1447-02-10

|

2025-8-4

هيكل سليمان المزعوم

بقلم: د.علي محمد الصلابي

 

لم يرد ذكر لهيكل سليمان في القرآن الكريم، وإنما أشار القرآن الكريم إلى قصر سليمان (عليه السلام) المصنوع من القوارير، وهو آية في الإعجاز والجمال، حتى إن ملكة سبأ أسلمت لله رب العالمين بعد مشاهدتها لهذا الإنجاز المعجز، قال تعالى: ﴿قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [النمل: 44].

كما أشار القرآن الكريم إلى أنّ الشياطين والجن كانوا يعملون لسليمان (عليه السلام) ما يشاء من محاريب، وهي أماكن العبادة الخالصة لله ﴿يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ﴾، ونحن نؤمن بأن بناء أماكن العبادة كان بناء في غاية الروعة والجمال والدقة، لا كبناء الآشوريين والبابليين في ذلك الوقت. بنى سليمان دولة قامت بنهضة حضارية شاملة، منها البناء المعماري المتفوق والمتميز في ذلك الوقت، وطبيعي أن يبني سليمان (عليه السلام) دور العبادة في دولته الواسعة. وأما هيكل سليمان (عليه السلام) المزعوم والنصوص التي تخيّلها كاتبو تاريخ اليهود على أن مكانه المسجد الأقصى حالياً، فهذا محضُ افتراءٍ وتزوير للحقائق.

وهناك تناقض واضح في روايات الأسفار التي تحدثت عن الهيكل، وعن تحديد مكان بيت الله؛ مما يؤكد أنّ قضية الهيكل من أوّلها إلى آخرها لا يمكن تصديقها؛ لأن ما ورد عنها في الأسفار من التناقضات والاختلافات لا يمكن أن يكون وحياً سماوياً صادقاً، فإن الوحي لا يتناقض. وهناك خلاف كبير بين علماء اليهود وحاخاماتهم في تحديد مكان الهيكل، وهذا دليل دامغ وقوي على أن هيكل سليمان أكذوبة وأسطورة.

- إن الآثار الأموية والعباسية والعثمانية تدلّ على إسلامية المسجد الأقصى البحتة التي لا يشترك معها أي ديانة أخرى، وينسف الادعاءات الباطلة لليهود بوجود أي أثر لهم في المسجد الأقصى.

- إن وجود المسجد الأقصى قبل الهيكل المزعوم بأزمان طويلة من أقوى الأدلّة التاريخيّة الّتي تبطل مزاعم اليهود، وتكشف مدى مصداقيّة الرؤية الإسلاميّة في حقّ المسلمين بالمسجد الأقصى وفلسطين. وقد تحدّث الكثير من المفكرين والمثقفين والعلماء عن الهيكل، وتلخيص ما وصلوا إليه من أبحاث كالآتي:

- الدكتور طارق سويدان:

قال: وتورد بعض المصادر أنّ سليمان (عليه السلام) هو النبيّ الذي بنى الهيكل الذي يزعم وجوده إلى اليوم، والصحيح الوارد في المصادر الإسلامية المعتمدة أن النبي سليمان (عليه السلام) كان قد جدَّد بناء المسجد الأقصى القديم ولم يَبْنِ هيكلاً، وإنما جاءت كلمة (هيكل) من كتب بني إسرائيل المحرّفة، التي لا تعتمد دليلاً أو سنداً. ولكي نوضح قضية الهيكل لا بد من بيان النقاط التالية التي وردت في كتب اليهود المقدسة:

أ- قام ببناء الهيكل المزعوم كثير من الجنود والبنائين الذين عرفوا فيما بعد باسم (الماسون) أي البناؤون، ومن هنا أتت كلمة (الماسونية) من أصل (بنّائي الهيكل) وهي: حركة يهودية خطيرة منحرفة، تهدف إلى بسط نفوذ اليهود وأتباعهم في كل بلاد العالم، ولهم طقوس وشعائر عجيبة ومنحرفة ترجع إلى ذلك الزمان، وهي حركة معادية للإسلام ولكلّ الأديان عدا اليهودية. والانضمام إليها حرام وجريمة كبرى، وفيها عون للأعداء ضد المسلمين.

ب- تشير الروايات أنّ الهيكل بُني في مكان ما في القدس إلى جانب الأقصى، ولكن لا يوجد أيّ تاريخ واضح أو دليل يحدّد مكان بنائه؛ ولكن يوجد وصف دقيق لشكله الداخلي والخارجي في الكتب المقدسة اليهودية.

جـ- وصف بناء هذا الهيكل في الكتب اليهودية أقرب للخيال منه للواقع، وفيه مبالغات كبيرة وتهويل؛ جعلته قصراً كاملاً من الذهب. ويزعم اليهود أن في كتبهم المقدسة وصفاً دقيقاً له، وفيها أن المحراب وهو قدس من الأقداس يبلغ طوله (10) أمتار، وعرضه (10) أمتار، وسماكته (10) أمتار، مغشى بالذهب، وهناك سلاسل كبيرة من الذهب ممتدة أمام المحراب، وتماثيل الملائكة المجنحة فيها سماكة كل واحد عشرة أذرع كلها أيضاً من الذهب.

ه- كثير من المؤرخين يشكّكون في صحة ما روي عن الهيكل؛ لأنّ الكتب المقدسة لم تكتب إلا بعد عهد موسى بمئات السنين، تعرضت خلالها لكثير من التحريف والتبديل باعتراف كهنة اليهود أنفسهم.

و- اليهود اليوم يبحثون عن الهيكل وينقّبون عنه، وقد جاء في كتبهم وكثير من الروايات والأخبار في كتب المؤرخين، أنّ هذا الهيكل هدم وأُحرق بالكامل، ولم يبق منه حجر على حجر .

- د. بشير إسماعيل حمو:

كتب رسالة (هيكل سليمان في عقيدة اليهود وأثره في هدم المسجد الأقصى)، وهذا البحث بين عقيدة اليهود في هيكل سليمان الذي يزعم اليهود أنّ سليمان (عليه السلام) بناه معبداً للرب سبحانه وتعالى، من خلال المقصود من الهيكل ومكانته عند اليهود والنصوص الدينية التي اعتمد عليها اليهود في إيمانهم به، ثم الرد على الادعاءات اليهودية في هيكل سليمان وإبطالها من خلال وجود تناقض واضح بين روايات الأسفار التي تحدثت عن الهيكل، وعن تحديد مكانه، مما يؤكد أن قضيّة الهيكل من أوّلها إلى آخرها لا يمكن تصديقها ، وإثبات أن المسجد الأقصى كان موجوداً قبل الهيكل المزعوم بأزمنة طويلة ... وأنّ سليمان (عليه السلام) بني هيكلاً، كما يزعم اليهود. وبيّن البحث أثر تلك العقيدة في مخططات اليهود لهدم المسجد الأقصى، وكشف سبب اختيارهم بناء هيكل سليمان في مكان المسجد الأقصى، والخطوات العملية التي قام بها اليهود، والتي تسبق هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم، وعلى رأسها الحفريات تحت المسجد الأقصى، وبيّن البحث واجب المسلمين في مواجهة هدم المسجد الأقصى لبناء الهيكل مكانه.

1- معنى الهيكل:

الهيكل: كلمة يقابلها في العبرية (بيت همقداش) أي: بيت المقدس، أو (هيخال) وتعني البيت الكبير في اللغة السامية، وهو: الطريقة التي كان يشار بها إلى مسكن الإله –على حد زعمهم- ومن أهمّ أسماء الهيكل: بيت يهوه. والهيكل أعد أساساً ليكون مسكناً للإله. ففي سفر الملوك: حينئذ تكلم سليمان: قال الرب إنه يسكن في الضباب إني قد بنيت لك بيت سكني، مكاناً لسكناك.

وكما يعتقد اليهود بأنّ خيمة الاجتماع التي يسمونها (قبة الزمان) كانت موجودة قبل عبادتهم العجل، والذي هو متقدم على مجيئهم بيت المقدس، وأنها مسكن الرب، وقد كانت مع بني إسرائيل في التيه، يصلون إليها، وهي قبلتهم، وأن يوشع بن نون لما دخل بيت المقدس نصب هذه القبة على صخرة بيت المقدس، فكانوا يصلون إليها، فلما بادت صلوا إلى ملحقها، وهي الصخرة. ويرون أن أرض المسجد الأقصى هي أرض الهيكل، وأن مسجد الصخرة هو: مكان قدس الأقداس، داخل الهيكل.

وهنا تكمن خطورة هذا المعتقد، وما يترتب عليه من ضرورة هدم المسجد الأقصى المقام على أرض الهيكل -حسب زعمهم- وذلك لبناء الهيكل المزعوم مكانه.

2- جبل الهيكل:

مصطلح يُقابله في العبرية كلمة (هرهبايت)، ويسمى في الدراسات العربية: (هضبة الحرم) ويقال له أيضاً (جبل موريا) و(جبل بيت المقدس)، وهي منطقة في جنوب شرقي القدس، ويعتقد اليهود أن الهيكلين: الأول والثاني قد أقيما على هذه الهضبة، وأنّ إبراهيم (عليه السلام) ضحى بإسحاق (عليه السلام) -حسب اعتقاد اليهود- على هذا الجبل.

وتعتبر هذه البقعة أكثر الأماكن قداسة عند اليهود، ومن ثم فإنهم لا يمكنهم دخولها إلا بعد تطبيق بعض شعائر الطهارة التي تحتاج إقامتها إلى رماد البقرة الحمراء، وهو ما يستحيل في الوقت الحاضر، ومن ثم يُحرِّم معظم فقهاء اليهود على اليهود دخول تلك المنطقة. ويُوجد في تلك البقعة حوالي مئة أثر إسلامي أهمها المسجد الأقصى ومسجد القبة.

3- الهيكل الأول:

ورد في الكتاب المقدس أنّ داوود (عليه السلام) اشترى أرضاً من أرونة اليبوسي لبناء الهيكل، ففي سفر صموئيل الثاني: فقال الملك لأرونة: لا بل أشتري منك بثمن، ولا أصعد للرب إلهي محرقات مجانية.

وفي سفر أخبار الأيام الأول: فقال الملك داوود لأرنان لا؛ بل شراء أشتريه بفضة كاملة، لأني لا آخذ مالك للرب فأصعد مُحرَقة مجانية.

وأعدّ داوود للهيكل الأموال ومواد البناء، وأنه لم يقم بالبناء لانشغاله بالحروب، وسفكه لدماء كثيرة، وقد منعه الرب من البناء لأجل ذلك، ووعد الرب داوود (عليه السلام) بأن يكون ابنه سليمان -وريثه- هو الذي يقوم ببناء الهيكل.

وحسب الكتاب المقدس: فقد أتم سليمان بناء الهيكل في سبع سنين، وبناه فوق جبل مُريّا في القدس، وهو جبل بيت المقدس، أو هضبة الحرم، حيث يوجد فوقها سور الحرم الشريف، الذي يشمل المسجد الأقصى، ومسجد قبة الصخرة، وعدد من الأروقة والأبنية، ويسمي اليهود المكان جبل الهيكل.

وتذكر أسفار العهد القديم أنّ الهيكل بقي على ما هو عليه قرابة أربعة قرون وربع أي: منذ حوالي سنة 968 ق.م، إلى أن هاجم البابليون بقيادة الملك نبوخذ نصر (بختنصر) القدس وسبَواْ أهلها واستولوا على ما في الهيكل من ثروات ثم هدموه سنة 586 ق.م، أو سنة 587 ق.م .

4- الهيكل الثاني:

الهيكل الثاني –حسب مزاعم الكتاب المقدس- هو: هيكل زروبابل، أحد كبار كهنة اليهود، الذي بناه سنة 515 ق.م، بعد أن أذن الملك الفارسي (قورش) لليهود إلى القدس سنة 538 ق.م، وكان البناء الجديد أضخم من البناء الأول؛ لكنّه أقل تكلفة وعظمة. وظل هذا الهيكل قائماً مدة خمسة قرون، والأسفار التي ورد الحديث فيها عن هذا الهيكل هي: عزرا، حجي، وزكريا.

ويذكر الكتاب المقدس أنّ الهيكل الثاني بُني بأمر من الرب، وبأمر من ملوك الفرس: قورش، وداريوس الأول، وأرتحشتا.

5- هيكل هيرودس:

قام هيرودس الوالي اليهودي على فلسطين من قبل الرومان ببناء هيكل على أنقاض هيكل زروبابل الذي أصابه الخراب بعد خمسمائة عام من بنائه، فهدمه وقام ببناء هيكل آخر مكانه أضخم منه، بدأ (هيرودس) العمل فيه وقتاً طويلاً، ولكنه مات قبل أن يتمه، وتم البناء في عهد أغريباس الثاني سنة 64 م، وقد هدم هذا الهيكل سنة 70 م، على يد القائد الروماني (تيتوس) أو (تيطس) فلافيوسي، إلى أن حاصر القدس ودك أسوارها، وأشاع فيها الخراب، وأضرم النار في الهيكل، بعد أن سلب ما فيه ثم هدمه. وهذا هو التدمير الثاني للهيكل.

وإذا كان (تيطس) قد دمر المدينة والهيكل، وأبقى الحطام مكانه، فإنّ الإمبراطور الروماني (أدريانوس) أزال معالم المدينة، ومعالم الهيكل تماماً سنة 135م، وأقام مكانه هيكلاً وثنيّاً باسم (جوبيتار) -رب الآلهة عند الرومان- إذ لم تكن المسيحية قد اعترف بها بعد، وبقي هذا الهيكل إلى أن قامت المسيحية في أورشليم، فدمره المسيحيون في عهد الإمبراطور قسطنطين.

والسؤال الذي يطرح هنا: هل بعد هذا الهدم المتكرر للهيكل وإقامة الهيكل الوثني مكانه ثم تدميره في عهد الإمبراطور قسطنطين، هل بعد كل ذلك يبقى للهيكل أثر؟ هذا إن صح بناء الهيكل أصلاً.

6- الهيكل الثالث:

الهيكل الثالث: مصطلح ديني يهودي يشير إلى عودة اليهود بقيادة الماشيّح. و( الماشيّح) : كلمة عبرية تعني (المسيح المخلص) إلى صهيون لإعادة بناء الهيكل آخر الزمان، فالهيكل الأول هو: هيكل سليمان الذي هدمه نبوخذ نصر، والهيكل الثاني هو: هيكل هيرودس الذي هدمه (تيطس)، والهيكل الثالث والأخير: هو الذي سيُبنى في العصر المشيحاني –على حد زعمهم- وقد جعل الصهاينة الاستيطان الصهيوني هو العود المشيحانية، وبالتالي، فإن الدولة الصهيونية هي الهيكل الثالث.

وهذا هو الهيكل الذي يسعى اليهود لإعادة بنائه على أنقاض المسجد الأقصى، كما في تصريحات قادتهم الدينيين والسياسيين، كما سيأتي الحديث عنه لاحقاً بإذن الله.

7- اختيار اليهود بناء هيكل سليمان في مكان المسجد الأقصى وسبب ذلك:

تقول (جريس هالسل) –بعد الجولة التي قامت بها إلى الأرض المقدسة في عام 1985م وزارت فيها مع مجموعة من الحجاج المسيحيين الصهاينة مدينة القدس-: قال لنا الدليل، وهو يشير إلى قبة الصخرة وإلى المسجد الأقصى: هناك سنبني الهيكل الثالث، لقد أعددنا جميع الخطط لبناء الهيكل، حتى إن مواد البناء أصبحت جاهزة؛ إنها محفوظة في مكان سرّي. هناك معامل يعمل فيها الإسرائيليون، لإنتاج التحف الفنية، التي سنستعملها في الهيكل الجديد؛ إن أحد الإسرائيليين ينسج الآن قماشاً من الحرير الخالص، لاستعماله في صناعة أثواب الحاخامين في الهيكل.

وعن سبب اختيار اليهود بناء هيكل سليمان مكان المسجد الأقصى في مدينة القدس، يقول د. جميل عبد السيد قرح: لم يسمح الله للملك والنبي داوود بناء الهيكل، لأنّ يديه كانتا ملطختين بدماء الكثيرين، الذين قتلهم في الحروب، بل أمره أن يبني ابنه الملك سليمان الهيكل نحو ألف سنة قبل الميلاد، وليس في أي مكان آخر، وإلا أصبحت عبادتهم ناقصة، ومرفوضة. وعند تدشين الهيكل قدم الملك سليمان وجميع بني إسرائيل، ذبائح للرب: 22 ألفاً من البقر، و20 ألفاً من الغنم، واحتفلوا سبعة أيام؛ هكذا تقول كتب التراث اليهودية.

ولذلك يصرّ اليهود على إعادة بناء الهيكل في هذا المكان بالذات؛ ليعيدوا ممارسة عبادتهم حسب طقوسهم وشعائرهم الموجودة في كتبهم التراثية، التي اختلطت فيها الأمور الدينية بالكتابات التاريخية، التي جمعت بين الحقائق والتحريف والتبديل، ويرون أنّ بناء الهيكل في هذا المكان يمهّد لمجيء المسيح كما يعتقدون.

ويعتبر بعض اليهود أنّ عبادتهم ناقصة ومرفوضة الآن، ولن يغفر الله خطاياهم. وهذا هو سبب إصرارهم الشديد على بناء هذا الهيكل ولو بالقوة في نفس هذا المكان؛ لممارسة هذه الفرائض بالنسبة لهم في تقديم القرابين على الذبح في الهيكل من جديد؛ لأن دم القرابين يكفّر عن النفس الخاطئة، كما في كتبهم ومنذ احتلال مدينة القدس عام 1967م وهم يعملون باستمرار للسيطرة عليها وتغيير معالمها، بهدف تهويدها وإنهاء الوجود الإسلامي فيها، وقد استخدمت لأجل ذلك الكثير من الوسائل، وقامت بإجراءات عديدة ضد المدينة وسكانها، حيث كان الاستيطان في المدينة وفي الأراضي التابعة، حد أهمّ الوسائل لتحقيق هدف الاحتلال الصهيوني الأساسي تجاه مدينة القدس.

8- مكانة الهيكل عند اليهود:

وردت أقوال كثيرة في كتب الباحثين والمؤرخين عن مكانة الهيكل عند اليهود، فمما قالوه في ذلك:

- قول المؤرخ ديورانت: كان بناء الهيكل أهم الحادثات الكبرى في ملحمة اليهود بعد نشر كتاب القانون، وذلك أن الهيكل لم يكن بيتاً ليهود فحسب، بل كان مركزاً روحياً لليهود، وعاصمة ملكهم ووسيلة لنقل تراثهم وذكرى لهم، كأنه علم من نار يتراءى لهم طوال تجوالهم الطويل المدى على ظهر الأرض، ولقد كان له شأن في رفع الدين اليهودي، من جيل بدائي متعدد الآلهة إلى عقيدة راسخة غير متسامحة.

وهذا يدل على الانحراف الكبير بعد بناء الهيكل في العهد الفارسي للقدس، والإشارة إلى الانحراف العَقَدي في تلك المرحلة في قول المؤرخ الكبير (من جيل بدائي متعدد الآلهة).

ومعروف لدى الباحثين أن بني إسرائيل يرجعون إلى يعقوب (عليه السلام)، وكان على عقيدة التوحيد الصافية ضد الشرك بأشكاله وأنواعه، وكذلك يوسف، وموسى، وهارون، وداوود، وسليمان، عليهم السلام.

- قول المؤرخ (لودز): لقد بالغ كتبة العهد القديم في العصور المتأخرة في أهمية بناء الهيكل في أورشليم، لقد بدأ الهيكل يأخذ مكانة مميزة في الديانة اليهودية نتيجة لتدمير مملكة إسرائيل سنة 722ق.م من قِبل الآشوريين، وكان الفضل كله يرجع إلى إصلاح يوشا 622ق.م، الذي أعلن أنّ الهيكل هو المعبد الشرعي الوحيد لليهود، بحيث أصبح الهيكل بالنسبة للديانة اليهودية وحتى إبطال تقديم القرابين عام 70 م، قلب الديانة الوطنية.

- قول الحاخام اليهودي (شلوم آمنين): يجب ألا ننسى أنّ السبب الرئيسي للعودة من المهاجر، ولإقامة دولتنا هو: بناء الهيكل، والهيكل هو: قمة الهرم.

وقد تحدث التلمود عن الهيكل في مواضيع متعددة، ومن ذلك زعم التلمود أن الرب - عالى عما يقولون علواً كبيراً- بعد تدمير الهيكل إلى الآن، لم ينقطع عن البكاء والنحيب، ويردد عبارات الندم على سماحه بهدم الهيكل، فقد ورد في التلمود في الكتاب الثاني الذي بعنوان (فساد الدين)، الفصل الأول، تحت عنوان: العزة الإلهية على حسب التلمود: ولم يلعب الله مع الحوت بعد هدم الهيكل، كما أنه من ذلك الوقت لم يمل إلى الرقص مع حواء بعدما زيّنها بملابسها، وعقص لها شعرها، وقد اعترف الله بخطئه في تصريحه بتخريب الهيكل، فصار يبكي ويمضي ثلاثة أجزاء من الليل يزأر كالأسد قائلاً: تباً لي لأني صرحت بخراب بيتي وإحراق الهيكل ونهب أولادي.

ولا شك أن هذا من الخرافات والأكاذيب والأباطيل وتشويه للذات الإلهية العظيمة: ﴿مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج: 74].

وقال سبحانه وتعالى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: 11].

وقال تعالى ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: 43].

ويقول الدكتور عبد الوهاب المسيري عن مكانة الهيكل في وجدان اليهود: يشغل الهيكل مكانة خاصة في الوجدان اليهودي، كما يعبر عن التيار الحلولي، وهو يسمى (لبنان) لأنه يطهّر يسرائيل من خطاياها ويجعلها بيضاء كاللبن، وكان التصور أنّ الهيكل يقع في مركز العالم، فقد بني في وسط القدس التي تقع في وسط الدنيا، فقدس الأقداس الذي يقع وسط الهيكل هو بمنزلة سُرة العالم، والهيكل كنز الإله مثل جماعة يسرائيل، وهو عنده أثمن من السماوات والأرض، بل إن الإله قرر بناء الهيكل قبل خلق الكون بنفسه.

ويشكل هدم الهيكل صورة أساسية في الوجدان الديني اليهودي، فهو يُذكر عند الميلاد والموت، وعند الزواج يحطم أمام العروسين كوب فارغ ليذكرهما بهدم الهيكل. ويرى الصهاينة أن ظهور الصهيونية يعود إلى اللحظة التي هدم فيها الهيكل، وفُرض الشتات على اليهود. ويقوم الصهاينة بالتاريخ لوقائع تاريخ العبرانيين وتواريخ أعضاء الجماعات اليهودية في فلسطين بمصطلحات مثل (الهيكل الأول) و (الهيكل الثاني).

ويشير ابن جوريون وكثير من الإسرائيليين إلى دولة إسرائيل باعتبارها (الهيكل الثالث). وقال الدكتور المسيري -رحمه الله-: تستخدم عبارة (إعادة بناء الهيكل) بمعنيين:

الأول: إعادة بناء الهيكل بعد عودة اليهود من بابل، ومن ثم يسمى (الهيكل الثاني) تمييزاً له عن الهيكل الذي هدمه نبوخذ نصر، واستخدام العبارة بهذا المعنى نادر.

الثاني: هو الاستخدام الأكثر شيوعاً باعتبار أن الهيكل الثاني هو الذي بناه هيرودس، وهدمه تيتوس. ويذهب الفقه اليهودي إلى أنّ الهيكل لا بد أن يُعاد بناؤه وتُقام فيه شعائر العبادة القربانيّة مرة أُخرى، ولهذا تمّ تدوين الشعائر في التلمود مع وصف دقيق للهيكل. وتتضارب الآراء مع هذا، حول موعد بناء الهيكل وكيفيّة بنائه. والرأي الغالب فقهيّاً هو أنّ اليهود يجب عليهم أن ينتظروا حلول العصر المشيحاني بمشيئة الإله، وعندئذ يمكنهم بناؤه. والتعجيل بالبناء نوع من الهرطقة.

وهناك رأي فقهي يرى أنّ على اليهود إقامة بناء مؤقت قبل العصر المشيحاني، وهو رأي الأقلية، ولكنه ظل موجوداً بسبب طبيعة اليهودية كترتيب جيولوجي.

وقد استفاد الصهاينة من هذا التناقض فوصفوا الرؤية الأرثوذوكسية بالسلبية، وقرروا أخذ زمام الأمور في أيديهم. وينقسم اليهود في العصر الحديث إزاء مسألة بناء الهيكل إلى فريقين: صهاينة، وغير صهاينة:

أما غير الصهاينة فيعارضون العودة الفعلية، ومن ثم يعارضون إعادة بناء الهيكل، فالإصلاحيون يرون أنّ الهيكل لا يمكن إعادة بنائه أبداً.

وأما الأرثوذكس فيرون أن إعادة بناء الهيكل مرتبطة بعودة الماشيح، ويرى المحافظون أنها مجاز.

وأما الصهاينة فينقسمون في موقفهم من إعادة بناء الهيكل إلى دينيين ولادينيين:

اللادينييون: لا يهتمون كثيراً بالعبادة القربانية، وإعادة بناء الهيكل، ويرون محاولات الصهاينة المتديّنين إعادة بناء الهيكل مسألة هوس يهدد المستوطن الصهيوني بالخطر دون فائدة مادية ملموسة.

الصهاينة المتدينون (المتطرفون): يرون المسألة من منظور إعادة بناء الهيكل، ذات أهمية مركزية لهم، وهم يركزون جلّ اهتمامهم عليها.

وقد حدثت عدة محاولات من جانب الجماعات الصهيونية تستهدف تفجير الأماكن المقدسة، وهناك منظمة يهودية تسمى أمناء جبل الهيكل تجعل بناء الهيكل الثالث هدفها الأساسي.

ورغم هذا الانقسام بشأن إعادة بناء الهيكل، فإن بعض الأطروحات التي كانت تصنّف في الماضي بوصفها دينية مهووسة صارت مقبولة، بل أصبحت جزءاً أساسياً من الخطاب السياسي الصهيوني، أو ضمن برامج الأحزاب المعتدلة، وعادة ما توظف المؤسسة الصهيونية الحاكمة الصهاينة الدينيين في تحقيق أهدافها، ولهذا يسمحون لهم بإقامة احتفالاتهم السنوية بوضع حجر أساس الهيكل حتى يظلّ القدس والحرم الشريف، بل الحق العربي ككل موضع تساؤل وخاضع للتفاوض. ويرى المسيحيون الأصوليون أنّ إعادة بناء الهيكل الشرطُ الأساسي للعودة الثانية للمسيح، وقد عُقد عام 1990م مؤتمر في إسرائيل لمناقشة القضية.

9- حائط البراق أم حائط المبكى:

الاعتقاد السائد هو أنّ حائط البراق جزء من الحائط الخارجي للهيكل الذي رسمه هيرودس ودمره تيتوس القائد الروماني (70م)، وهو عبارة عن حائط كبير مبني من حجارة ضخمة. ويعتقد المؤرخون المسلمون أنه المكان الذي ربط عنده جبريل –ملك الوحي- براق الرسول محمد ﷺ ليلة الإسراء والمعراج، ومن هنا جاء اسمه الإسلامي (حائط البراق)، ولا يزال حتى اليوم جزءاً من الحرم القدسي، وتحديداً هو جزء من جداره الغربي.

وقد ذكر الإمام البيهقي أن رسول الله ﷺ قال: «ثم انطلق بي جبريل حتى دخلنا المدينة -بيت المقدس- من بابها اليماني فأتي قبلة المسجد -الأقصى- فربط بها دابته، ودخلنا المسجد من باب فيه تميل الشمس والقمر».

فقال أبو بكر: صفها لي يا رسول الله فقال ﷺ: «هي كذه وكذه»، قال أنس: كان أبو بكر قد رآها.

عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: عن رسول الله ﷺ: «أتيت بالبراق، فركبت حتى أتيت بيت المقدس، فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء، ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم عرج بي إلى السماء».

ويقول الدكتور عبد الوهاب المسيري عن حائط المبكى: (حائط المبكى) هو الحائط الغربي ويسميه المسلمون (حائط البراق)، يقال إنه جزء من السور الخارجي الذي بناه هيرود، ليحيط بالهيكل والمباني الملحقة به، ويعتبر من أقدس الأماكن عند اليهود في الوقت الحاضر، يبلغ طوله مائة وستين قدماً، وارتفاعه ستون قدماً، سُمي باسم حائط المبكى لأن الصلوات حوله تأخذ شكل عويل ونواح. وجاء في الأساطير اليهودية أن الحائط نفسه يذرف الدموع في التاسع من آب (أغسطس)، يوم هدم الهيكل على يد تيتوس، والتاريخ الذي بدأت تقام فيه الصلوات بالقرب من الحائط غير معروف. وحتى القرن السادس عشر تجد أن المصادر التي تتحدث عن يهود القدس تشير إلى ارتباطهم بموقع الهيكل وحسب.

كما يبدو أنه أصبح محل قداسة بدءاً من1520م بعد الفتح العثماني وهجرة اليهود الماراتو حملة لواء النزعة الحلولية المتطرفة في اليهودية، فالنزعة الحلولية تظهر دائماً في شكل تقديس الأماكن والأشياء، كما أن وجودهم داخل التشكيل الحضاري الإسلامي ترك أثره العميق فيهم فشعيرة الحج إلى مكة والطواف حول الكعبة وجدت صداها في تقديس حائط المبكى.

10- عدم قدسية الأسفار التي تتحدث عن وجود الهيكل:

السفران اللذان تحدثا عن وجود الهيكل، وهما: سفر الملوك الأول والثاني، ينسب اليهود كتابهما إلى أرميا، وهذا غير صحيح، وليس هناك دليل واحد يؤيده: فسفر الملوك الثاني تمتد حوادثه إلى ما بعد عصر أرميا، وبالتالي فلا يعقل أن يكون هو كاتبه.

والصحيح -كما ذكر العلماء- أنّ السفرين عبارتان عن مجموعة من المدونات التاريخية؛ جمعت ونسقت معاً، واستقى كاتبهما مواده من سجلات البلاط، وسجلات الهيكل، وسير الأنبياء، واعتمد على كثير من الروايات الشفهية، والحكايات الشعبية. ولقد ذهب العلماء إلى أنّ هذين السفرين قد تم تأليفهما مرتين وبصيغتين مختلفتين:

فالصيغة الأولى: كانت في أواخر القرن السابع ق.م، أو ما بين 622 - 609 ق.م، أي: ما قبل السبي.

والصيغة الثانية: وضعت في السبي؛ حيث جاء مؤلف ثان، وأعاد تأليفه من جديد. ويستدل على ذلك بعبارات كثيرة جاءت في السفرين. ويبدو أن هذا التأليف قد تم ما بين عامي 561 - 538 ق. م.

ويذكر الكاتب الفرنسي (موريس بوكاي) أن أسفار صموئيل والملوك، قد شك العلماء في قيمتهما التاريخية حيث تختلط الأحداث بالأساطير، وأنّ (أدموند جاكوب) وجد فيها أخطاء متعددة، وأنّ الحدث الواحد له روايات مزدوجة، وحتى ثلاثية.

وقد طعن العلماء في سفرَي أخبار الأيام: الأول، والثاني - الذَين جاء فيهما ذكر لبناء سليمان للهيكل، وشككوا في كونهما كتاباً موثوقاً فيه، وبيان ذلك: أنّ علماء التقليد اليهودي زعموا أن كاتب السفرين: الكاهن (عزرا)، لكن الناقد اليهودي (باروخ سبينوزا) قال إن المؤلفين الحقيقين لهذا السفر لا يُعلم عنهم شيء يقيني، كما لا يعلم شيء عن سلطتهم وعقيدتهم. وقد شارك (سيبونزا) فيما ذهب إليه عدد من العلماء.

وقد ذكر الدكتور بشير إسماعيل حمو: التناقض بين روايات الأسفار التي تحدثت عن الهيكل، وتحدثت عن اختلاف حاخامات وعلماء اليهود في تحديد مكان الهيكل، فوق جبل موريا، كما جاء في الكتاب المقدس، وبيّن أنّ الكتاب المقدس يقول: إنّ الرب أمر بهدم الهيكل، ولم يأمر بإعادة بنائه وذكر ذلك بالتفصيل. وينصح بالاطلاع على كتابه.

11- علم الآثار، ودعوى وجود الهيكل تحت المسجد الأقصى:

منذ أن احتل اليهود الشطر الشرقي من القدس عام 1967م إلى اليوم، وهم يحاولون العثور على أي أثر يدل على بقايا الهيكل المزعوم، ويثبت مكانه تحت الحرم القدسي الشريف، وقد قامت حكومات الاحتلال الإسرائيلي المتعاقبة بإجراء حفريات وأنفاق تحت أسوار جبل بيت المقدس، وتحت أسوار المسجد الأقصى من جانبيها: الغربي والجنوبي وامتدت الحفريات إلى الأرضية الداخلية تحت ساحة المسجد، وتحت مسجد النساء داخل المسجد الأقصى، واستمرت الحفريات بشق نفق واسع طويل اخترق المسجد من شرقه إلى غربه، وأقام اليهود في النفق كنيس يهودي صغير، افتتحه رسمياً رئيس الدولة ورئيس الوزراء الإسرائيلي عام 1986م. وفي عام 1981م أعلنت الهيئات اليهودية الدينية عن اكتشاف نفق كبير تحت الحرم القدسي. ولقد مرت عمليات الحفر والتنقيب بمراحل، لأن هدفها هو: تفريغ الأتربة والصخور من تحت المسجدين: الأقصى وقبة الصخرة، لترك المسجدين قائمين على فارغ؛ ليكونا -لا قدر الله- عرضة للانهيار والسقوط.

ولقد افتتحت حكومة الاحتلال الإسرائيلي نفقين، يمرّان من تحت المسجد الأقصى من جداره الجنوبي، تزعم إسرائيل أنهما كانا يستخدمان لنقل المياه إلى الهيكل المزعوم؛ افتتح النفق الأول عام 1996م في عهد رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو؛ في حين افتتح النفق الثاني بعيداً عن أعين وسائل الإعلام، في عهد رئيس وزراء إسرائيل إيهود بارك.

ويتساءل الدكتور صالح الرقب: هل وَجد علماء الآثار اليهود والأوروبيون والأمريكان خلال عمليات الحفر والتنقيب أثراً واحداً يدلّ على الهيكل المقدس المزعوم؟ أو يثبت أن المسجدين: الأقصى وقبة الصخرة قد أقيما على أنقاض ذلك الهيكل، كما تزعم الصهيونية واليهودية المسيحية؟

ويجيب على لسان الشيخ محمد أبو شقرا الذي عقد مؤتمراً صحفياً في عام 1983م، تحدث فيه عن تتابع أعمال الحفريات الأثرية، تحت المسجد فقال: إنّ الحفريات الأثرية تحت المسجد لم تسفر إلا على إلقاء الضوء على آثار من العهود الأموية والعباسية والعثمانية ولم يجد الإسرائيليون أية أدلة تؤكد أن معبداً (الهيكل) أقيم في أي وقت في هذا المكان. فهذه الآثار؛ الأموية العباسية والعثمانية تدل على إسلامية المسجد الأقصى البحتة التي لا يشترك معها فيها أي ديانة أخرى، وينسف الادعاءات الباطلة لليهود بوجود أي أثر لهم في المسجد الأقصى.

يقول الأستاذ منصور عبد الحكيم: لقد أثبت علماء الآثار من اليهود والأوروبيين والأمريكان الذين نقبوا واشتغلوا بالحفريات والأنفاق تحت الحرم القدسي الشريف، أنه لا يوجد أثر واحد لهيكل سليمان تحت الحرم القدسي، ولا تحت المسجد الأقصى، ولا تحت قبة الصخرة، وشاركهم الرأي كثير من الباحثين اليهود والغربيين، مما دفع بعضهم إلى أن يقول إنّ الهيكل قصة خرافية ليس لها وجود، ومن أشهر هؤلاء العلماء اليهود (إسرائيل فلنتشتاين) من جامعة تل أبيب.

إن المسجد الأقصى بُني قبل عهد سليمان (عليه السلام) بأزمنة طويلة كما مرَّ معنا، فكيف يكون هيكل سليمان المزعوم تحت المسجد الأقصى -كما يزعم اليهود-.

إنّ سليمان (عليه السلام) جدّد بناء المسجد الأقصى، فإن ذلك طبيعي لأنه كان مسلماً وموحدا ومفرداً لله في عبادته عز وجل، وهو من ذرية أبي الأنبياء إبراهيم، وسار على نهج موكب الأنبياء والمرسلين، فلم يكن يهودياً ولا نصرانياً، وهو حق ثابت للمسلمين.

ومن كل ما سبق يتبيّن الآتي:

- أنّ الهيكل عقيدة يهودية، وله قدسية خاصة في الفكر اليهودي.

- أن اليهود يعملون ويخططون لإعادة بنائه من جديد في نفس المكان الذي يزعمون أنه بني فيه هيكل سليمان، وهو فوق هضبة الحرم القدسي، حيث مكان المسجدين الإسلاميين؛ الأقصى وقبة الصخرة.

- أنّ ما يعتقده اليهود في الهيكل هو مزاعم باطلة، وأن النصوص التوراتية التي تحدثت عن الهيكل مليئة بالتناقض والكذب، فقد تبيّن التناقض الشديد بين الكثير من نصوص العهد القديم، وهو الذي يمثل محور وأساس الرواية اليهودية، بل وحتى تفصيلاتها في أغلب الأحيان. وقد قام الدكتور محمود عبده نور الدين ببيان هذه التناقضات والأكاذيب في بحثه القيم (الهيكل اليهودي: الرواية اليهودية والمنطق التاريخي).

- أنّ الحفريات تحت الحرم القدسي الشريف التي يقوم بها اليهود منذ احتلالهم للقدس، لم تثبت شيئاً من مزاعم اليهود في وجود الهيكل، وأنّ علماء الآثار من اليهود وغيرهم، قد كذبوا مزاعم اليهود في وجود الهيكل تحت الحرم القدسي.

- أحقية المسلمين في حائط البراق: عندما حدثت اضطرابات في القدس بين اليهود والمسلمين وزعم اليهود أنّ حائط البراق جزء من هيكلهم القديم، وحدثت ردود فعل مختلفة فلسطينية وعربية وإسلامية، واستمرت الاضطرابات سنين، وفي عام 1930م تم تشكيل لجنة دولية لدراسة المشكلة، وكتابة تقرير عنه، ووافق مجلس الأمم في 14 مايو 1930م على تشكيل هذه اللجنة بقيادة (شو). وقد حضرت اللجنة إلى القدس في 19 يونية 1930م، وأقامت شهراً كاملاً، واستمعت لعدد كبير من شهود العرب واليهود، كما اطلعت على جميع الوثائق المقدمة إليها من الفريقين، واستمعت إلى مرافعات المحامين والذين أحضرهم الطرفان ثم كتبت تقريرها في هذا الشأن؛ ومن ذلك:

- للمسلمين وحدهم تعود ملكية الجدار الغربي، ولهم وحدهم الحق العيني فيه. ولكونه يؤلف جزءاً لا يتجزأ من مساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك وقف الملك الأفضل ابن أخي صلاح الدين الأيوبي وللمسلمين، وكذلك تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة، لكونه موقوفاً حسب أحكام الشرع الإسلامي. فهذا التقرير الدولي يشهد بحق المسلمين بحائط البراق التاريخي والديني والقانوني.

- جاء في دائرة المعارف البريطانية: ليس من المؤكد أن الهيكل كان في حرم المسجد الأقصى، خاصة وأن تيتوس عندما هدمه عام 70م لم يترك شيئاً قائماً فيها وطمست سائر معالمها، فالبحث عنه إذن عبث.

ومع هذه الحقائق التاريخية الدامغة؛ إلا أن حركة اليهود المعاصرة تشير إلى جديتهم لهدم المسجد الأقصى وفق عقيدتهم المسيطرة عليهم، ومحاولة الارتباط التاريخي بسليمان (عليه السلام) الذي هو في الحقيقة نبي من أنبياء الله دعا إلى التوحيد وحكم بين الناس بالعدل، بعيداً كل البعد عن العنصرية والأباطيل التي يدعو إليها الاحتلال الصهيوني وممارسته الظالمة والجائرة؛ فكل الممارسات العنصرية التي مارسها شارون أو بن غوريون أو نتنياهو أو ليبرمان أو باراك أو أي سياسي صهيوني لا علاقة لها بمنهج سليمان (عليه السلام)، ولا عقيدته ولا سلوكه.

إن أفكار الحركة الصهيونية الاستيطانية هي أفكار استعمارية تسعى -بحقد عنصري- للسيطرة على أرض فلسطين، والقضاء على شعبها المجاهد، وتزوير تاريخي ممزوج بعقائد ما أنزل الله بها من سلطان، وأين هذه الحركة العنصرية الاستعمارية الظلامية القمعة الدموية من عصر الأنبياء الملوك: داوود، وسليمان (عليهما السلام)، الذين جاءت سيرهم العظيمة، وقصصهم الرشيدة في القرآن الكريم؟ فذكرت عدلهم وتوحيدهم، ومخافتهم من الله عز وجل، وعمارة الأرض، ورفع الظلم عن الناس، والارتباط الراشد بموكب الأنبياء والمرسلين من آدم (عليه السلام) إلى خاتمهم محمد ﷺ.

إن من حقّنا كمسلمين، صادقين الدفاع عن الحقيقة التاريخية والسيرة العظيمة، والقدوة الحسنة لكل من داوود وسليمان، وتخليصهم مما نسب إليهم من أكاذيب وعقائد باطلة لا دليل عليها ولا برهان إلا الأوهام والخرافات والأساطير. ومن حقنا الدفاع عن نبوتهم، وتخليص ما نسب إليهم من طعون وافتراءات في سيرهم؛ فعقيدتنا الإسلامية الصافية التي جاءت في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة توجب علينا ذلك.

إن القرآن الكريم بيَّن أكثر الحقائق الدامغة لسيرة داوود وسليمان عليهما السلام، فرد على التشويه اليهودي لهذين النبيين العظيمين، ولقد شوّهوا سليمان (عليه السلام)، واتّهموه بالكفر بالله، وأنه انحاز وراء الأصنام. وقالوا: إن سليمان ما حكم ملكه إلا بالسحر والاستعانة بالشياطين، وكذلك شوّهوا أباه داوود (عليه السلام). وقلتم إنه استعبدكم وجعل النير فوق رقابكم وتناسيتم أنه نبي مرسل وحفيد أنبياء مرسلين، وقلتم عنه أنه استدان الأموال وأرهق الناس بالضرائب ليبني هيكلكم المزعوم ويا للعجب؟ فأين هو هذا الهيكل الذي بناه النبي سليمان على حساب أموالكم والضرائب التي فرضها عليكم؟

يا للعجب العجاب تقولون ذلك ثم تدعون أن الهيكل رمز وجودكم ودولتكم الغابرة، فما بالكم تكفرون بالنبي سليمان، وتلبسونه لبوس المجرمين المشركين السحرة، ثم تقولون إن الهيكل الذي بناه رمز وجودكم في فلسطين.

إننا نخالفكم إلى ما ذهبتم إليه من هذا التشويه المبني على الأكاذيب، وإنما نقول إن النبي سليمان (عليه السلام) نبي مرسل على نهج من سبقه من الأنبياء والمرسلين -كنوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، وإسحاق، وإسماعيل، ويعقوب، ويوسف، وموسى، وهارون، وغيرهم عليهم الصلاة والسلام - أرسله الله ليقيم العدل بين خلقه وعمارة الأرض على شرعه. وهو هبة من الله لأبيه داوود عليهما السلام، والنبي سليمان (عليه السلام) دعا الناس ملوكاً وغير ملوك إلى عقيدة التوحيد، وعبادة الله عز وجل، وكانت علاقته بملكة سبأ أن يثنيها وقومها عن عبادة غير الله وأن يدلهم إلى الصراط المستقيم، وأن كتابه الذي أرسله إليها بدأه باسم الله الرحمن الرحيم، ولم يبدأه باسم (يهود)، أو باسم (رب الجنود)، أو باسم (الإله) القومي لبني إسرائيل. والنبي سليمان (عليه السلام) لم يكفر، ولم يستخدم السحر، لتقوية ملكه، فهو نبي وقوته مستمدة من الله عز وجل.

إننا كمسلمين نعتز بسليمان (عليه السلام)، ونؤمن به كنبي مرسل، وإن حاربوه فنحن من ندافع عنه، وعن نبوته وسلوكه، وليس لكم أي علاقة به لا من قريب ولا من بعيد. وندعوكم إلى التوبة النصوح والرجوع إلى سيرته المحفوظة في القرآن الكريم. بل إنَّ تاريخ بني إسرائيل الحقيقي في منعرجاته المتنوعة وأنبيائه العظماء لا تجدون كتاباً -كالقرآن الكريم- حافظ على سيرهم بالتمام والكمال والصفاء والنقاء، وبيّن محل الاقتداء بهم كالذكر الحكيم، قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78)﴾ [النمل: 76-78].

12- عقيدة أرض الميعاد:

كانت الفكرة لدى العالم في تجميع اليهود في دولة من أيام (نابليون بونابرت) الفرنسي عام 1799م، حيث دعا يهود آسيا وأفريقيا للانضمام إلى حملته من أجل بناء مدينة القدس القديمة، وقد جند منهم عدداً كبيراً في جيشه، إلا أن هزيمة نابليون واندحاره حال دون ذلك.

ثم ابتدأت الفكرة تظهر على السطح مرة أخرى، وبدأ العديد من زعماء الغرب وكبار اليهود يهتمون بها ويؤسسون كثيراً من الجمعيات التي تنادي بهذا الأمر.

وكانت عقيدة أرض الميعاد حاضرة بقوة في المتأثرين بأفكار وثقافة وتاريخ العهد القديم للديانة اليهودية والمذهب البروتستانتي النصراني. وتتخلص هذه العقيدة في أن الله عز وجل قد أعطى اليهود منذ أن كان اسمهم (بني إسرائيل) أرض فلسطين، ووعدهم بملكها إلى الأبد وأباح لهم -على حسب زعمهم- أن يقتلوا ويطردوا كل الأقوام الذين كانوا يعيشون فيها، كما دعاهم ألا يمكنوا أحداً من العيش فيها إلى جوارهم، فهي ملك خاص لهم وميراث خاص بهم، هذا ما آمن به اليهود منذ القديم، وهذه هي العقيدة التي استقرت في نفوسهم، حتى بعد أن طردوا منها منذ ألفي سنة تقريباً، لقد ظلوا قروناً كثيرة وهم ينتظرون الملِك المخلص والقائد المنصور (الماشيح المنتظر) ليجمعهم ويقودهم إلى فلسطين، لكن اليهودية الصهيونية سبقت المسيح المنتظر وقادتهم في هذه المرة إلى فلسطين، وأعلنوا عن قيام دولتهم في منتصف عام (1948م).

لقد غرست النبوءات الكثيرة التي نسبوها إلى أنبيائهم هذه العقيدة في قلوبهم، وأنا هنا لا أناقش هذه النبوءات ومدى صدقها، فتاريخ اليهود القديم في فلسطين يكذبها وينسفها نسفاً، وهناك العشرات من النصوص المثبتة في العهد القديم تقول بأنهم أُورثوا الأرض بشرط الإيمان والطاعة، وإن هم أخلوا بالشرط فسوف يطردون ويشتتون في أنحاء الدنيا كلها، وهذا ما كان.

مضى على طرد اليهود من فلسطين قرون كثيرة، وصلوات العودة إلى أرض الآباء والأجداد على لسان كل واحد منهم، وظلوا يرددون في أعيادهم تحيتهم المحفوظة (العام القادم أورشليم)، وحين بدأ التخطيط لقيام دولتهم الحالية، أجمع زعماء اليهود كلهم على أن تكون فلسطين هي أرض دولتهم، وهذا ما تقرر في مؤتمرهم الأول في (بال) بسويسرا عام 1897م، وجاء في خطاب هذا المؤتمر: إنا نضع حجر الأساس في بناء البيت الذي سوف يؤوي الأمة اليهودية، ثم اقترح برنامجاً يدعو إلى تشجيع القيام بحركة واسعة إلى فلسطين، والحصول على اعتراف دولي بشرعية التوطين، وكان من قرارات ذلك المؤتمر: إنشاء (المنظمة الصهيونية العالمية) لتحقيق أهداف المؤتمر، و قد تولت أيضاً إنشاء جمعيات عديدة علنية وسرية لتخدم هذا الهدف.

وقد صرح زعماء اليهود بتصريحات واضحة لرسم مسار تحقيق هذا الهدف الذي اجتمعوا عليه:

- يقول تيودور هرتزل في كتابة (الدولة اليهودية): فلسطين وطننا التاريخي الذي لا يمكن نسيانه.

- ويقول ديفيد بن غوريون: إن الصهيونية لم تبدأ بمؤتمر (بال) ولا بوعد بلفور، ولا بقرارات الأمم المتحدة، بل يوم وعد الله أبانا إبراهيم بأرض فلسطين مُلكاً أبدياً.

- ويقول مناحم بيغن: إن هذه الأرض أعطيت لنا بموجب الوعد، ومن حقنا الاحتفاظ بها.

- ويقول الجنرال العسكري موشي ديان: إذا كنا نملك التوراة ونعتبر أنفسنا شعب التوراة، فلا بد أن نملك الأرض التوراتية.

- وتقول غولدا مائير: إن هذه البلاد وُجدت تنفيذاً لوعد صدر من الرب بالذات، ومن السخف أن تطالبه بحجج حول شرعيتها.

ولا تسأل عن تصريحات الحاخامات الكثيرة والمثيرة؛ فهذا الحاخام زفي يهودا كوك -الشخصية الأكثر تعبيراً عن الصهيونية الدينية- يقول: إن جميع هذه البلاد لنا، ولا يمكن تسليم أجزاء منها للآخرين، ورثناها عن آبائنا، لهذا يجب أن يكون واضحاً لا توجد مناطق عربية.

يقول الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله-: إن اليهود لهم فكرة وحيدة لا تتغير وهي: أنهم الشعب المختار، وأنهم سادة العالم، وأن ما في العالم من مال هو لهم يجب أن يستردوه، وأنهم يجب أن يهدموا المسجد الأقصى ليبنوا على أنقاضه هيكل سليمان. وسوف ينزل الرب ليحل في هذا الهيكل، ويحكم على طريقة شعبه المختار: شعب بني إسرائيل.

إن هذه العقائد الفاسدة والثقافة المنحرفة، والأفكار المغشوشة في المشروع اليهودي الصهيوني لا يمكن الوقوف أمامها، إلا بالعقائد الصحيحة، والثقافة السليمة، والأفكار الصافية التي منبعها كتاب الله وسنة رسوله الكريم.

#فلسطين

#غزة


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022