الإثنين

1446-11-07

|

2025-5-5

مظاهر من الحياة الدينية في عصر إبراهيم عليه السّلام

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 7

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

ذو القعدة 1443 ه/ يونيو 2022م

ولدَ إبراهيم - عليه السّلام - في بلاد الرافدين "العراق حالياً"، ونشأ في مجتمع تسود فيه عبادة الكواكب والأصنام، بل في مجتمع يسجد الناس فيه للملوك والحكام من دون الله - عزّ وجل- كما نشأ في وسط أسرةٍ كافرة تنحت الأصنام للناس وتتاجر بها، حسب الروايات،(1) ومع أن إبراهيم الخليل - عليه السّلام - نشأ في هذه البيئة الوثنية إلا أنَّه ظل على فطرته النقية الصافية وجبلته النبيلة، ولم تدنس عقيدته شوائب الشرك، ولم يختلط بفكره السليم شيء من الباطل الذي شبَّ عليه قومُه، فهو نشأ - عليه السّلام - مبغضاً لما كان عليه قومه من معتقدات باطلة .(2)

إنَّ الله أكرم الخليل- عليه السّلام - وفضَّل عليه بعصمته عن الشرك منذ صغره، وذلك بأن آتاه الله رشده وهداهُ إلى الحق، قال تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} ]الأنبياء:51[.

ومن ثم بفضل ما وهبه الله من ذكاء ورجاحة عقل، أدرك أن للكون رباً واحداً هو المهيمن المسيطر على كل ما فيه من مخلوقات، وأن البشر لا بدَّ أن يتوجهوا بالعبادة لخالق هذا الكون، ولذلك استحق إبراهيم - عليه السّلام - بصفاء فطرته وخلوصها للحق أن يكشف الله بصيرته عن الأسرار الكامنة في الكون والدلائل الموحية بالهدى في الوجود، كما قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} ]الأنعام:75.

أرى الله عزّ وجل خليله - عليه السّلام - مُلك السماوات والأرض، وما خلق فيهما من الشمس والقمر والنجوم والشجر والدواب وغير ذلك من عظيم سلطانه في خلقه، وجلّى له بواطن الأمور وظهورهما، وذلك ليكون - عليه السّلام - ممن يتوحد بتوحيد الله، ويعلم حقيقة ما هداه له، وبَصرَّه إياه من معرفة وحدانيته وما عليه قومه من الضلالة من عبادتهم للأصنام واتخاذهم إياها آلهة من دون الله.

فمثل هذه الفطرة السليمة وهذه البصيرة المتفتحة وعلى هذا النحو من الإخلاص للحق، ومن إنكار الباطل في قوة أراه الله - عزّ وجل- حقيقة هذا الملك، ملك السماوات والأرض، وأطلعه على الأسرار المكنونة في صميم الكون، وكشف له عن الآيات المبثوثة في صحائف الوجود، ليصل بين قلبه وفطرته وموجبات الإيمان ودلائل الهدى في هذا الكون العجيب؛ لينتقل من درجة الإنكار على عبادة الآلهة الزائفة إلى درجة اليقين الواعي بالإله الحق.(3)

لقد كانت حياة إبراهيم - عليه السّلام - تجسد دعوته لتوحيد الله عزّ وجل وإفراده بالعبادة في مجتمع بلاد ما بين النهرين في بداية دعوته ثم بلاد الشام ومصر والحجاز.

وكانت بلاد ما بين النهرين "بلاد الرافدين" موطناً لكثير من القبائل العربية المهاجرة من الجزيرة العربية وغيرها، وذلك لخصوبة أرض بلاد النهرين ويسر الحياة فيها، فتعددت فيه العبادات وتنوعت المعتقدات؛ لأن النازحين إليها كانوا ينقلون معهم عقائدهم ومعبوداتهم الباطلة مثل عبادة الأصنام وعبادة الكواكب وتقديس الملوك وعبادة الظواهر الكونية .(4)

ويشير العقاد إلى تعدد العقائد والعبادات في عصر إبراهيم - عليه السّلام - فيقول: من الألف الثالثة إلى الألف الثانية قبل الميلاد، أقام في العربية أناس من أتباع كل عقيدة دينية عرفت في تلك العصور، وكان مركزها الأكبر في بلاد النهرين، حيث تتابعت الدول، فتتابعت معها الديانات والشعائر ومراسم العبادة، عُبدت فيها الكواكب، وعُبدت فيها الملوك، وعُبدت فيها الأرباب المحلية التي يدين بها أبناء كل إقليم على حده، ولا تشترك الأقاليم جميعاً في عبادتها، وقامت الشعائر على اختلافها مع كل دين من هذه الأديان، فعرفوا الضحايا البشرية كما عرفوا القرابين من غلات الزراعة في مواسمها، وعرفوا الصلوات في الهياكل بقيادة الكهان، كما عرفوا الصلوات في البيوت أو المدافن الملحقة بها . (5)

مراجع الحلقة السابعة:

( ) إبراهيم عليه السلام في أسفار اليهود "عرض ونقد"، فاطمة بنت خالد ردمان، ص5.

(2) المرجع نفسه، ص5.

(3) في ظلال القرآن، سيد قطب، 7/1139.

(4) إبراهيم عليه السلام في أسفار اليهود "عرض ونقد"، فاطمة بنت خالد ردمان، ص55.

(5) إبراهيم أبو الأنبياء، عباس محمود العقاد، ص156.

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي

http://alsallabi.com/uploads/books/16228097650.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022