تأملات في الآية الكريمة: {قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ}
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 106
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ربيع الأول 1444ه / أكتوبر 2022م
لقد ركّز الخليل إبراهيم - عليه السّلام - في أول حواره على "السّمع" بقوله: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ}، ولم يتطرق لشيء آخر من الجوارح أبداً، فقد كان - عليه السّلام - ذكياً مُحتاطاً حريصاً على اختبار ما ينفع من الكلام أثناء الحوار ويركّز عليه، والسّمع متعلقة به الإجابة فكيف يجيب ما لا يسمع،كما قال بشار بن برد:
لَقَد أَسمَعتَ لَو نادَيتَ حَيّاً
وَلَكِن لا حَياةَ لِمَن تُنادي
ولو ناراً نفختَ بها أضاءتْ
ولكنْ أنتَ تنفخُ في الرمادِ
وكان إبراهيم - عليه السّلام - قد قال لهم في حواره: {إِذْ تَدْعُونَ}، ولم يستخدم كلمة أخرى، وفي ذلك قصد يتوخاه لفعله؛ لأن الدعاء يكون برفع الصوت وخفضه، فيقال دعوته من بعيد ودعوت الله سبحانه في نفسي، فهو يقول لهم سواء عليكم أدعوتم آلهتكم، بصوت مرتفع أو بصوت خفي أو دعوتموهم سراً لن يسمعوكم، في حين أن الإله الواحد الحق المستحق للعبادة يبغي أن يسمع العبد في كل الأحوال(1).
ولعل قائل يقول: يمكن للمعنيّ أن يجيب إذا طلبت منه بالإشارة، والجواب: فكيف إذا كنت في مكان لا يراك فيه، فإنَّ السمع هو الضامن للإجابة في الأحوال كافة، وإن كنت مستتراً عنه.
وللسمع أهمية ومكانة عالية بين الجوارح له الأولوية، وهكذا كان السّياق القرآني يتعامل مع هذه الأولوية والأهمية، فيقدمه في الخطاب دائماً إلا في بعض الاستثناءات، قال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} ]الإسراء:36[.
وكذلك، فإن الله سبحانه وتعالى عندما يصف نفسه وفي غالب السّياق القرآني يقدّم السمع، فيقول: {السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} و{السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} و{سَمِيعًا بَصِيرًا} و {سَمِيعًا عَلِيمًا}، وهكذا يُقدم السمع، وكان من دعاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اللهم عافني في بدني، اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري لا إله إلا أنت(2)، فالنبي صلّى الله عليه وسلّم يقدم السمع على البصر في دعائه.
وأُلفت النظر أننا نتكلم عن آلهتهم المزعومة، فإن خليل الله إبراهيم - عليه السّلام - كان بارعاً في التركيز وحسن اختيار المفردات أثناء الحوار، لقد أسقط في أيديهم فآلهتهم لا تسمع، ولقد أصبحوا في حيرة من أمرهم، وقبل أن يفكروا بإجابة مناسبة للرد على إبراهيم - عليه السّلام - بادرهم هو السلام بسؤال جديد، ووضعهم في دوامة أخرى وذلك بسؤاله لهم(3).
مراجع الحلقة السادسة بعد المائة:
(1) ملة أبيكم إبراهيم، عبد الستار كريم المرسومي، ص33.
(2) الأدب المفرد، البخاري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، رقم (701).
(3) ملة أبيكم إبراهيم، عبد الستار كريم المرسومي، ص34.
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي