الأحد

1447-02-09

|

2025-8-3

الأئمة الأربعة ليسوا بمعصومين

الشيخ سلمان العودة

الحلقة الثانية عشر

29 شوال 1443ه/ 30 مايو 2022م

والأئمة وإن كانوا من أوعية العلم وأساطين الرواية، إِلَّا أنهم لم يدَّعوا العصمة لأنفسهم، ولا ادَّعاها لهم أتباعُهم؛ ولذا تجد في أقوالهم واجتهاداتهم ما هو مرجوح؛ لمخالفته ظاهر الدليل، ومثل هذا لا يجوز التمسُّك به إذا ظهر للتابع ضعفه.

ومثل هذا يقع قليلًا في كل مذهب، في العبادات وفي المعاملات وغيرها، وهي مسائل معروفة محدودة، وإزاءها يجب ضبط الموقِف؛ بحفظ مقام الإمام، وعدم تتبُّع المسائل الضعيفة والمرجوحة للحطِّ من قدره، وحفظ مقامه لا يعني أخذ كل ما ورد عنه بغير تمحيص.

يقول ابن القيم: «الرجل الجليل الذي له في الإسلام قَدَمٌ صالحٌ وآثار حسنة، وهو من الإسلام وأهله بمكان، قد تكون منه الهفوة والزَّلَّة، هو فيها معذور، بل مأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يُتَّبع فيها، ولا يجوز أن تُهْدَرَ مكانته وإمامته من قلوب المسلمين».

ومن هذه المسائل:

1- ما ذهب إليه أبو حنيفة من إجزاء القراءة بالفارسية في الصلاة، وإنْ أحسنَ العربية.

«واستدل بما رُوي أن الفرسَ كتبوا إلى سلمانَ رضي الله عنه، أن يكتبَ لهم الفاتحةَ بالفارسية، فكانوا يقرؤون ذلك في الصلاة، حتى لانت ألسنتهم للعربية...

وكذلك لو سمَّى عند الذبح بالفارسية أو لبَّى بالفارسية فكذلك إذا كبَّرَ وقرأَ بالفارسية».

قال ابن المنذر: «لا يُجزئه؛ لأن ذلك خلاف ما أمر الله به، وخلاف ما علَّم الرسولُ صلى الله عليه وسلم أمتَه، وما عليه جماعاتُ أهل العلم، لا نعلم أحدًا وافقه على مقالته هذه».

2- قول الشافعي أنه يجوز للرجل أن ينكح ابنتَه من الزِّنا. ونسبه العمراني وابن قدامة إلى مالك، وهو قول ابن الماجشون من المالكية أيضًا.

واستدلوا بأن ماء الزنا لا حرمة له، لكنه مكروه، خروجًا من الخلاف.

3- ما نُسب إلى مالك أن الاستعاذة تكون بعد القراءة. ورُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه، وابن سيرين والنَّخعي.

وذلك عملًا بظاهر الآية: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) [النحل: 98]. فدلَّ على أن الاستعاذة بعد القراءة، والفاء هنا للتعقيب.

4- ما نُسب إلى أحمد، أن الزاني المحصَن يُجلد مع الرَّجم.

فيُجلد الزاني المحصَن قبل الرجم، ثم يُرجم؛ لقوله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) [النور: 2]. وهذا عام: يشمل المحصَن وغير المحصَن، ثم جاءت السُّنة بالرجم في حق الثيب، والتغريب في حق البكر، فوجب الجمع بينهما.

على أننا لا نرى عامة المسائل التي تُوصف بأنها «مفردات» لكل مذهب أو إمام تُعَدُّ من الهفوات والزلَّات، كيف وهي اجتهاد معتبر، له حجته ودليله، كأن يَرُدَّ الإمامُ حديثًا صحَّ عند غيره ولم يصح عنده، فهذا مقتضى إمامته؛ لأنه لا يقلِّد غيره فيما ظهر له فيه حكم، وأن يفهم فهمًا يخالف سواه، فليس زلة ولا هفوة؛ لأنه عالم يعرف القواعد والأصول، وقد يكون له قاعدة ليست لغيره.

وإن كان يحصل التشنيع عادة على المذهب بحكاية هذه الأقوال أو تطويرها وسرد لوازمها وما يترتب عليها؛ تنفيرًا وعصبية.

والمقصود التخيُّر من أقوالهم بحسب القوة والضعف، والتوازن في مقاماتهم بعدم الإزراء بهم أو بأحدهم بسبب رأي رآه، ولا قبول كل ما يصدر عنهم، إِلَّا من المقلِّد الذي لا يحسن إِلَّا هذا.

هذه الحلقة مقتبسة من كتاب مع الأئمة للشيخ سلمان العودة، صص 30-29

يمكنكم تحميل كتاب مع الأئمة من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي عبر الرابط التالي:

https://www.alsallabi.com/uploads/books/16527989340.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022