الأربعاء

1447-04-16

|

2025-10-8

الصفات القيادية في شخصية عماد الدين زنكي

"الدهاء واليقظة"

من كتاب (الدولة الزنكية) للدكتور علي محمد الصلابي

 

كان عماد الدين زنكي ذا دهاءٍ ومكرٍ وحيلة وذكاء، نافذ في مجابهة المشاكل الحربية والسياسية، وقد مكَّنهُ ذلكَ من اجتياز كثير من الصعوبات، وتحقيق مزيد من الانتصارات، فمن مناوراته البارعة ضدَّ التحالف البيزنطي الصليبي عام 532 هـ أن أرسل إلى قادته، يقول: إنكم قد تحصنتم بهذه الجبال، فاخرجوا عنها إلى الصحراء حتى نلتقي، وتكون الغلبة لأحدِ الطرفين، فظن الروم والصليبيون أن وراءه قوات ضخمة أتاحت لهُ أن يطرح تحديه، فتجنبوا لقاءهُ وهو ما كان زنكي يرجوه، ثم راحَ بعد ذلكَ يراسل إمبراطور الروم، ويوهمهُ: أن الصليبيين متفقون مع المسلمين سراً وبالعكس، واستطاع بذلكَ أن يبذر بذور الانشقاق في الجبهة المسيحية مما اضطر قواتها إلى الانسحاب (1) هذا إلى أنه فتح الرُّها وهو أكبر نصر حققه في حياتهِ، معتمداً على الحيلة والمكر؛ إذ اتجه إلى امد موهماً الصليبيين: أنه يسعى لحصارها ، وما إن رحل أمير الرُّها عن حاضرته مطمئناً إلى انهماك زنكي بمشاكله في ديار بكر حتى انقضَّ الأخيرُ عليها ، وتمكن من اجتياحها (2).

ومن ذكائه: أنه لم يظهر أنه مستقل عن السلاطين السلاجقة، بل أظهر: أنه يحكم بأمرهم، فقد كان معهُ ولدان من أولاد السلطان محمود بن محمد السلجوقي، وهما: ألب أرسلان، وفرخ شاه ويعرف بالخفاجي، وكان يظهر: أنَّ الحكم له في بلاده ، وأنه نائب عنه ، وكان إذا أرسلَ رسولاً أو أجاب عن رسالة يقول: قال الملك كذا وكذا ، وكان ينتظر موت السلطان مسعود ، ليجمع العساكر باسم ألب أرسلان ، ويخرج الأموال ، ويطلب السلطنة ، فعاجلته المنية قبل ذلك (3)، وكان ابنه سيف الدين غازي عند السلطان مسعود ليثق بطاعته (4) وكان يثير الأطراف على السلطان مسعود حتى يحتاجه ويجمعهم عليه مرة ثانية ليشتغل بهم عنه (5).

وكان عماد الدين زنكي شجاعاً غير هيَّاب، إلا أنه كان حذراً يحتاط للأمور، فقد كان شديد العناية بأخبار الأطراف، وما يجري لأصحابها حتى في خلواتهم ، ولا سيما بلاط السلطان ، وكان يدفع في ذلكَ المال الجزيل ، فكان يطالع ويكتب إليهِ بكل ما يفعله السلطان في ليلهِ ونهاره من حرب وسلم وهزل وجد ، فكان يصلُ إليهِ كل يوم من عيونهِ عدة كتب ، وكان مع اشتغالهِ بالأمور الكبار من أمور الدولة لا يهمل الاطلاع على الصغيرة ، وكان يقول: إذا لم يعرف الصغير ليمنع؛ صار كبيراً ، وكان لا يمكن أي ملك أن يعبر بلاده بغير إذنه ، وإذا استأذنه رسول في العبور؛ أذن له ، وأرسل إليهِ من يسيِّرهُ ، ولا يتركهُ يجتمعُ بأحدٍ من الرعية ، ولا غيرهم ، فكان الرسول يدخلُ بلاده ، ويخرج منها ، ولا يعلمُ من أحوالها شيئاً.

ومن آرائهِ: أنه لما اجتمعَ له الأموال الكثيرة؛ أودعَ بعضها بسنجار ، وبعضها بالموصل ، وبعضها بحلب ، وقال: إن جرى عليَّ بعض هذه الجهات فتق ، أو حيل بيني وبينهُ؛ استعنتُ على سد الخرق بالمال في غيره (6)، وكان الرجل طويل الفكر كتوماً لا يعلنُ عمَّا ينويه إلا بعد أن يتخذ الأهبة الكاملة ، وكان يفرض أسوأ الاحتمالات ، ويُعِدُّ نفسه لها ، فلما سار من بغداد قاصداً الموصل؛ أخذ البوازيج ، وهي قرية قرب تكريت (7)؛ ليملكها ، ويتقوى بها ، ويجعلها في ظهره إن منعهُ جاولي عن البلاد (8)، ومن حذره تردده في دخول دمشق بعد أن وعده جماعة من أهلها بفتح أبوابها له خوفاً من أن يتفرق جيشهُ ، ولضيق المسالك ولإمكان مهاجمتهم من ظهور البيوت (9)، ولما وصل الروم الفرنج إلى الشام؛ نازلوا حلب ، ولم يرد عماد الدين أن يخاطر بالمسلمين ويلقاهم؛ لأنهم كانوا في جمع عظيم ، فانحاز عنهم ونزل قريباً منهم يمنع عنهم الميرة (10).

المصادر والمراجع:

() التاريخ الباهر في الدول الأتابكية بالموصل، ابن الأثير، ص 55 ـ ،56 نقلاً عن الحروب الصليبية ص 160.

(2) التاريخ الباهر في الدول الأتابكية بالموصل، ابن الأثير، 67 ـ 68.

(3) كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية، أبو شامة المقدسي، ص 168.

(4) الكامل في التاريخ، ابن الأثير، نقلاً عن الحروب الصليبية والأسرة الزنكية، ص 168.

(5) مفرج الكروب، محمد بن سالم التميمي الحموي، نقلاً عن الحروب الصليبية والأسرة الزنكية، ص 168.

(6) كتاب الروضتين نقلاً عن الحروب الصليبية والأسرة الزنكية ص 167.

(7) الحروب الصليبية والأسرة الزنكية، شاكر أحمد أبو بدر، ص 167.

(88 مفرج الكروب نقلاً عن الحروب الصليبية والأسرة الزنكية، ص 168.

(9) كتاب الروضتين نقلاً عن الحروب الصليبية والاسرة الزنكية، ص 168.

(10) الحروب الصليبية والأسرة الزنكية، شاكر أبو بدر، ص 168.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022