تعزية للشعب السوري والأمة الإسلامية بوفاة المفكر الإسلامي الدكتور جودت سعيد (رحمه الله)
د. علي محمد الصلابي
جمادى الآخرة ١٤٤٣ه/ يناير ٢٠٢٢م
أُعزي الشعب السوري وأبناء الأمة الإسلامية بوفاة أحد رواد الفكر الإصلاحي وصاحب نظرية اللاعنف وداعية السلام والنضال السلمي المفكر والشيخ جودت سعيد رحمه الله تعالى وأسكنه واسع رحمته.
عُرف عن الشيخ جودت سعيد مشاركته في ميادين الثورة والنضال الشعبي ضد الظلم والاستبداد في سورية، فكان مناصراً لأبناء وطنه، وداعيًا للتغيير الذي تحتاجه بلداننا دون التخلي عن فكرة السلمية والنضال اللاعنفي، ولم تكن الثورة السورية هي البداية لدى سعيد، فللرجل باع طويل في إنكار انتهاكات المستبدين والدعوة إلى اللاعنف، وبالتالي أصبح رائد الفكرة في العالم العربي والإسلامي ولعل البعض يناديه بغاندي العرب.
- النشأة والسيرة:
ينحدر الشيخ جودت سعيد من أصول شركسية، ولد بقرية بئر عجم التابعة للجولان المحتل عام 1931، ويعتبر سعيد من مدرسة مالك بن نبي ومحمد إقبال، وبدأ الدراسة الابتدائية في مدينة القنيطرة، ثم تابع الدراسة في الأزهر الشريف بمصر عام 1946، وبعد إتمامه الثانوية درس اللغة العربية وحصل على الإجازة فيها، وهناك بدأت قراءاته تتوسع لمالك بن نبي وقد أعجب بكتاب شروط النهضة لبن نبي، ومن ثم واتته الفرصة للقاء بن نبي والتعرف عليه قبل أن يسافر للسعودية ويجلس بها قرابة العام قبل أن يعود لسورية لتأدية خدمته الإلزامية العسكرية.
كانت بداية حياته في النضال السلمي حينما رفض المشاركة في أي تحرك عسكري يوم الانقلاب على الوحدة بين سوريا ومصر، ورغم التزمه بالتعليمات، فإن الضباط وضعوه قيد الإقامة الجبرية مدة من الزمن، وحينما أنهى خدمته العسكرية بدأ التدريس في ثانويات دمشق مدرسًا للغة العربية، وهنا بدأت حياته مع الاعتقال من أجل نشاطه الفكري وبعد ذلك تم اتخاذ قرار بصرفه من عمله في نهاية الستينيات.
عاد جودت سعيد إلى قريته بئر عجم بعد استرجاعها من الاحتلال الإسرائيلي بحرب تشرين عام 1973، فبدأ حياة الاستقرار هناك ومزاولة أعماله في الزراعة وتربية النحل وممارسة نشاطه الفكري والثقافي وتفرغ للتأليف والنشر بعدة كتب سنتحدث عنها لاحقًا.
حسب المتخصصين، فإن الشيخ جودت سعيد من الفرع السلفي العلمي الذي انحدر من الأقلية القوقازية الشركسية، ورغم أنه من المعجبين بالحضارة الغربية. فبعد حرب العراق بدأ جودت سعيد بالمناداة بتطبيق فكرة الاتحاد الأوروبي، حيث كانت الفكرة قائمة على تبادل المنفعة والمصالح بدلًا من الصراع والعنف، وفي إطار المسيرة السياسية وقع سعيد على "إعلان دمشق للتغيير السلمي الديمقراطي"، وهو إعلان جمع المعارضة السياسية الحزبية والمستقلة.
ويقول الكاتب السوري الدكتور عبد الرحمن الحاج في هذا السياق: "أكمل عدد من تلامذة جودت سعيد السير نحو المعارضة العلنية للنظام الاستبدادي في سورية، وعندما انطلقت الثورة السلمية في منتصف مارس/آذار 2011، بدأ نجم الشيخ جودت يبرز بقوة، فقد وجدت قطاعات لا بأس بها من الشباب في السلفية اللاعنفية فكرًا إسلاميًا جاهزًا يمكنها أن تستند إليه، وصار مألوفًا ظهور رمز الجماعة (الشيخ جودت) وكلماته في لافتات المظاهرات السلمية، فكان هذا ذروة العهد الذهبي للسلفية اللاعنفية التي تراجعت بعد أشهر مع اشتداد القمع ثم تحول الاحتجاج السلمي إلى ثورة مسلحة فلم تعد أفكار السلفية اللاعنفية تحظى بالاهتمام ذاته".
- الرصيد الفكري:
لم تبق أفكار جودت سعيد في مخه بل نشرها بكتب عديدة طرح من خلالها نظرته للأمور الشرعية والسياسية وكيفية تطبيقها، وعن كتاب شروط النهضة قال جودت سعيد: "قرأته 40 مرة، ودرسته سطراً سطراً 7 مرات". كما أنه خرج عن الإطار العام حتى بات ينظر إليه على أنه المخالف خاصة في طريقة عرضه للأمور الشرعية والعقدية بعيدًا عن الأفكار السياسية، لذلك تجد اليوم بأن الكثير ممن ينعونه ويرثونه يقولون "مع اختلافنا بعدد كثير من أفكار"، وفي الآتي نظرة على أهم كتبه:
كتاب مذهب ابن آدم الأول وفيه طرح جودت سعيد في كتابه هذا فكرة التفريق بين الجهاد والخروج، ويقول الكاتب: "الخروج هو استخدام القوة والعنف للوصول إلى الحكم" و"الجهاد هو استخدام القوة بعد الوصول إلى الحكم برضا الناس، لمنع الإكراه في الدين".
بالإضافة إلى كتاب "حتى يغيروا ما بأنفسهم" وكتاب "فقدان التوازن الاجتماعي"، إضافة إلى كتاب "العمل قدرة وإرادة" كما صنف كتاب "الإنسان حين يكون كلًا وحين يكون عدلًا" و كتاب "اقرأ وربك الأكرم" و"رياح التغيير".
رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته وصبر أهله والأحرار السوريين على فراقه، وعوضنا وإياهم خيراً، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبله بواسع رحمته وأن يحشره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
وإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم