تعزية للشعب التركي والأمة الإسلامية بوفاة العالم الرباني والشيخ الجليل محمود أفندي (رحمه الله)
د. علي محمد الصلابي
25 ذو القعدة 1443ه/ 24 يونيو 2022م
قال تعالى: [كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ] (آل عمران: 185)
كان نبأ وفاة الشيخ الجليل والعالم الرباني الكبير والمربي البركة، والولي العارف، العلامة الشيخ محمود أفندي (رحمه الله) قد انتشر في أقطار العالم الإسلامي، وهو العالم العامل وصاحب العلم الغزير والأخلاق الرفيعة ولسان الدعوة الصادق، وهو زعيم جماعة إسماعيل آغا، وشيخ الطريقة النقشبندية، وقد قضى الشيخ عمره في الدعوة المباركة إلى الله والنهوض بالعمل الفكري والتربوي حتى بلغ ثلاثة وتسعون عاماً، وبشهادة أهل العلم، كانت مجالسه مجالس سكينة ونور وأدب ودعوة وخشية وفضل وذكر وبهاء وجمال وكمال. وكانت وفاته في مدينة إستانبول في سحر ليلة الخميس الموافق لــ 24 ذو القعدة 1443ه/ 23 حزيران – يونيو 2022م.رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته وعوض الأمة خيراً.
- ترجمة سيرة الشيخ محمود أفندي (رحمه الله)
ولد الشيخ سنة 1348 الموافق سنة 1929ميلادية في ولاية طرابزون التركية.
حفظ القرآن الكريم طفلاً في السادسة من عمره
تلقى علوم الشريعة واللغة العربية عن كبار علماء عصره، مثل شيخ الإسلام ومفتي المذاهب الأربعة الإمام علي حيدر.
تصدر للدعوة وتدريس العلوم الشرعية، وواجه مضايقات عديدة من جنرالات العسكر والعلمانيين، وتعرض للسجن والضرب، فلم يثنه ذلك عن الدعوة وتدريس العلوم الشرعية.
حين أغلقت المدارس الدينية في تركيا، صار يذهب إلى البيوت يطلب منهم إرسال أبنائهم إليه ليدرسهم خفية، ويقول: إذا ماتت علوم الشريعة فسيموت الإسلام في تركيا.
تعرض لعدة محاولات اغتيال فنجاه الله
بعد أن فاز الإسلاميون في حكم تركيا، وجد فسحة للدعوة ونشر العلوم، فابتدأ بفتح المدارس الحلقية على المنهج الإسلامي القديم، بتدريس علوم الشريعة.
بارك الله جهوده، فصار الطلاب يفدون إلى مدارسه بأعداد غفيرة، وكان كل طالب يكمل الدراسة، يصير مدرسا فيها، وهي مدارس غير حكومية، والدراسة فيها مجانا.
بلغت مدارسه داخل تركيا آلافا، وامتدت حتى فتحت منها خارج تركيا.
يقدر أتباعه عدة ملايين داخل وخارج تركيا.
للشيخ مؤلفات في العلوم الشرعية والدعوة، منها تفسير للقرآن باللغة التركية، وهو مطبوع.
يتميز أتباع الشيخ محمود أفندي بأزياء خاصة، حيث ترتدي النساء زيًا أسود اللون فضفاضا، لا يظهر من الوجه سوى العينين والأنف، أما الرجال فيرتدون السروال العريض والجبة والعمامة، ويطلقون لحاهم. ويلبس أطفالهم مثلهم.
توجد مناطق كاملة يقطنها أتباعه، من دخلها ورأى اللباس فيها، شعر كأنه في عصر الصحابة، تمتلئ مساجدها حتى في الفجر.
يمتاز أتباعه بحسن الخلق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
صار مظهر العمامة والجبة، ولباس النساء الأسود الفضفاض مألوفا في إسطنبول وسائر ولايات تركيا، بل صار ضمن الأزياء التركية، وله خياطون متميزون، لأن من يرتديها يعدون بالملايين.
كان لأتباع الشيخ دور في إسقاط إنقلاب سنة 2016 الذي نجى الله به تركيا من كارثة كانت ستحل بها، وذهب منهم شهداء في الواقعة.
في عام 2005 دخل الشيخ محمود أفندي المسجد الحرام لأداء العمرة ومعه 30 ألف من تلاميذه، يملؤون ساحة الطواف.
أتباع الشيخ يكنون له احتراما وتكريما وطاعة قل مثيلها، ويعدونه مجدد هذا الزمن.
من يرى هذه الانجازات وهذه الفتوح من رجل واحد، يرى أنه من أهل القبول عند الله تعالى، فإننا لم نر في زماننا من كان له مثل هذا الإنجاز.
تشرفت بزيارته ومجالسته وتقبيل يده غير مرة بفضل الله تعالى، وله وجه مضيء قلما يرى مثله والله، تلوح فيه سيما الصالحين.
توفي وقت السحر، ليلة الخميس الرابع والعشرين من شهر ذي القعدة الحرام سنة 1443، الموافق سنة 2022 ميلادية.
نعاه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ووزير الأوقاف وأغلب المسؤولين الأتراك، ونعاه مشايخ العالم الإسلامي والجهات العلمية الشرعية.
ستقام صلاة الجنازة عليه غدا بعد صلاة الجمعة إن شاء الله، في جامع السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، وستكون جنازة رسمية يحضرها الرئيس ونائبه وأغلب رجال الدولة.
رحل الشيخ، ولكن بقي منهجه الوضاء، وبقيت مدارسه تزخر بعلوم الشريعة والطلاب، وبقي اللباس الإسلامي في الشارع، يبعث رسالة للعالم بأن هذا البلد بلد إسلام.
تغمده الله بواسع رحمته، ونفعه بما قدم لدينه وأمته، وأسكنه دار كرامته، وأنزله منازل المقربين، وبوأه الفردوس الأعلى منزلا، وحشرنا معه في الصالحين.
ونحن بكامل التسليم بقضاء الله وقدره، نسأل الله أن يرحم شيخنا الداعية الجليل المبارك، ولا يسعني إلا أن أدعو له بالمغفرة والرضوان وأن أعزي الشعب التركي والأمة الإسلامية، والعلماء والمربين والدعاة وطلاب الشيخ داخل تركيا وخارجها. كما أتقدم بأخلص التعازي لأولاده وأحفاده ومحبيه جميعاً.
راجياً المولى أن يتقبله في الصالحين مع النبيين والصديقين والشهداء والمقربين، وأن يُعظم للجميع الأجر في هذا المصاب، وألا يحرمنا أجره وألا يفتننا بعده، وأن يلهم الجميع الصبر والسلوان.
إنا لله وإنا إليه راجعون.
مصادر المعلومات حول ترجمته وسيرته من:
صفحة الدكتور وصفي عاشور
والدكتور وليد فائق الحسيني السامرائي
والدكتور محمد بشير حداد.