كان للتأييد المصري أهمية بارزة وتأثير إيجابي على مسار الثورة الجزائرية يَعترف به كل من درس بعمق تاريخ الثورة الجزائرية وقلب في صفحاتها الزاخرة. فعندما اندلعت الثورة الجزائرية التحريرية الكبرى تحولت القاهرة إلى جزائر ثانية في عهد الضباط الأحرار والرئيس جمال عبد الناصر بلا منازع. ولعبت دولة مصر الخمسينات دورها البارز في دعم جميع الشعوب ونضالها في سبيل نيل الحرية والكرامة والاستقلال من الهند إلى كوبا، كما قاومت مؤامرات القوى الامبريالية العالمية.
فلاقى الكفاح البطولي الذي بدأ به أهل الجزائر صداه الواسع في القاهرة، وكانت إذاعة صوت العرب تنطق باسم الشعب الجزائري بالنصر والتحرير، وكانت القاهرة أول عاصمة عربية أذاعت بيان ثورة الجزائر في شباط/ فبراير 1954. ولم تتوقف مسيرات ومظاهر التأييد للشعب الجزائري في مصر. فقد ضجت الشوارع بالأناشيد الحماسية، وشهدت الميادين عشرات الفعاليات الطلابية والنقابية، وكثرت التعليقات السياسية، وترددت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحض على الجهاد والشهادة في سبيل الله من أجل الحرية وكرامة الأمة في ساحات القاهرة ومدن مصر الكبرى.
كانت القاهرة مستقر النخبة للثورية الجزائرية، ومصدر إلهام لكل الشعوب العربية التي تسعى للاستقلال والحرية، وإن كانت مرحلة الملك فاروق بالنسبة للجزائريين تميزت بوضع لبنات قوية في صرح بناء مغرب عربي موحد، انطلاقاً من مساهمتهم في مكتب المغرب العربي إلى لجنة تحرير المغرب العربي؛ فإن مصر الثورة أكملت مشوار النضال وقدمت كل ما في وسعها لنصرة كل القضايا العربية ومنها قضية الجزائر، التي كانت تصل إلى كل العرب من المحيط إلى الخليج عن طريق إذاعة صوت العرب من القاهرة.
بمناسبة تأسيس الحكومة الجزائرية المؤقتة، لعبت مصر دوراً أساسياً في دفع أعضاء جامعة الدول العربية لتخصيص 12 مليار فرنك فرنسي قديم للثورة الجزائرية، وبقرار من الرئيس عبد الناصر نفسه خصصت مصر المداخيل الأولى من تأميم قناة السويس للكفاح الجزائري؛ هذه المبالغ التي وصلت إلى ثلاثة مليارات فرنك فرنسي قديم. وكانت أهم مجالات التنسيق الدبلوماسي الجزائري تتم عن طريق مصر، ومعظم النشاطات السياسية والدبلوماسية لجبهة التحرير الوطني والحكومة الجزائرية المؤقتة انطلقت من القاهرة.
الرئيس عبد الناصر نفسه، أو عن طريق مستشاره الشخصي فتحي الديب، كان يشرف على عملية التأييد المعنوي والمادي للثورة الجزائرية، والتأكيد من تعميق قوة التضامن المصري مع الجزائر، بما فيها حتى حضوره الأسابيع الخاصة للتضامن مع الشعب الجزائري، والتي كانت تنظم دورياً عبر أنحاء التراب الوطني المصري، متضمنة جمع التبرعات المالية والتعبئة المعنوية والإعلامية، تنظمها وتنشطها القيادة المصرية وعلى رأسها الرئيس جمال عبد الناصر وتحت إشراف القيادة المصرية.
قدرت أول شحنة سلاح من مصر بحوالي 8000 جنيه مصري، وتم تمريرها عن طريق ليبيا، وكانت أول صفقة سلاح من أوروبا الشرقية بتمويل مصري حوالي مليون دولار، ومعظم الأموال 75% التي كانت تقدمها جامعة الدول العربية للثورة الجزائرية والمقدرة 12 مليون جنيه سنوياً كانت تأتي من مصر، وأهم التدريبات العسكرية الفعالة لجيش التحرير الوطني خارج الجزائر كانت تتم بمصر
كان التنسيق بين أحمد بن بلة وفتحي الديب مندوب المخابرات المصرية على مستوى عال جداً، للبحث في الوسائل والطرق التي تكفل توفير السلاح والذخائر للثوار الجزائريين. كانت الخطة المسطرة هي استعمال كل الطرق للحصول على الأسلحة، فكانت تشترى من المهربين الدوليين عن طريق مصر، وهم يقومون بعد ذلك بإيصالها إلى أماكن محددة داخل التراب الجزائري، وفي حالة فشل عملية من عمليات الشراء يتم تزويد الثوار بالأسلحة من مخازن الجيش المصري.
وكان الترتيب مع السلطات الليبية لمرور السلاح من خلالها إلى الجزائر على قدم وساق إلى جانب الطريق البحري، حيث كانت الأسلحة والمؤونة الحربية تصل إلى الجزائر باستعمال السفن المصرية من جهة، و استئجار سفن أجنبية من جهة أخرى إذا اقتضت الضرورة، وكانت عمليات إمداد جيش التحرير بالاسلحة في بداية الأمر تتم بواسطة السفن المصرية، إلا أن القيادة المصرية استبعدت قضية شحن السفن المصرية لما لها من تأثير سلبي على سمعة مصر إقليمياً ودولياً في حالة اكتشافها من طرف السلطات الاستعمارية، وفي مارس 1955م تم شحن «اليخت دينا» بالسلاح إلى المجاهدين الجزائريين بعد أن تم تأجيرها من طرف مصر.
ومن السفن الأجنبية التي اشتهرت بحمل السلاح إلى الثورة الجزائرية إلى جانب اليخت دينا هناك اليخت «نمو»، واليخت «جودهوب»، هذا الأخير هو الذي تمت بواسطته إيصال الأسلحة إلى الجبهة الغربية الجزائرية. لم يتوقف الدعم العسكري المصري للجزائر بعد هذه الحادثة بل واصل المصريون عملية إمداد السلاح، وهو الأمر الذي دفع بفرنسا إلى المشاركة في العدوان الثلاثي على مصر، إلى جانب كل من مصر وإسرائيل، خاصة بعد إعلان الرئيس جمال عبد الناصر تأميم القناة.
تواصلت عمليات تهريب السلاح ولم تنقطع خلال ليبيا عن طريق التنسيق مع سلطاتها وبعض رجال الأعمال الليبيين الذين لهم خبرة في تهريب الأسلحة، وكللت هذه العمليات بوصول دفعة من الأسلحة استلمها المناضل علي مهساس في شهر فيفري 1957م، وأمّن وصولها إلى الولايات الشرقية بالجزائر.
المصدر : مدونات الجزيرة