الثلاثاء

1446-11-15

|

2025-5-13

إسلام معاوية رضي الله عنه وشيء من فضائله
الحلقة: الثالثة
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
محرم 1442 ه/ أغسطس 2020
 
أسلم معاوية مع أبيه وأخيه يزيد رضي الله عنهم يوم الفتح هذا على المشهور، ولكن يروى عنه أنه قال: أسلمت يوم القضية ـ أي: عمرة القضاء سنة 7 هـ ولكن كتمت إسلامي من أبي، ثم علم بذلك، فقال لي: هذا أخوك يزيد وهو خير منك على دين قومه فقلت له: لم آلُ نفسي جهداً، ولقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في عمرة القضاء وإني لمصدق به، ثم لما دخل عام الفتح أظهرت إسلامي، فجئته فرحب بي وكتبت بين يديه، وشهد معاوية ـ رضي الله عنه ـ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنيناً، وأعطاه مئة من الإبل وأربعين أوقية من الذهب.
وقد ذكر العلماء لمعاوية رضي الله عنه فضائل كثيرة؛ من هذه الفضائل:
1 ـ من القرآن الكريم:
فقد اشترك معاوية رضي الله عنه في غزوة حنين، قال تعالى: { ثُمَّ أَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَا وَعَذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ ٢٦ }[التوبة: 26]. ومعاوية رضي الله عنه من الذين شهدوا غزوة حنين وكان من المؤمنين الذين أنزل الله سكينته عليهم مع النبي صلى الله عليه وسلم . كما أنه ممن وعدهم الله الحسنى؛ قال تعالى: { لَا يَسۡتَوِي مِنكُم مَّنۡ أَنفَقَ مِن قَبۡلِ ٱلۡفَتۡحِ وَقَٰتَلَۚ أُوْلَٰٓئِكَ أَعۡظَمُ دَرَجَةٗ مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِنۢ بَعۡدُ وَقَٰتَلُواْۚ وَكُلّٗا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ ١٠} [الحديد: 10] ومعاوية رضي الله عنه ممن وعدهم الله الحسنى، فإنه أنفق في حنين والطائف وقاتل فيهما.
2 ـ من السنة:
أ ـ دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاوية رضي الله عنه: ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اجعله هادياً، مهدياً، واهدِ به».
وقال صلى الله عليه وسلم: «اللهم علِّم معاوية الكتاب والحساب وقِهِ العذاب».
ب ـ ما أخرجه مسلم من طريق عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتواريت خلف الباب، قال: فجاء فحطأني حطأةً وقال: «اذهب وادع لي معاوية»، قال: فجئت فقلت: هو يأكل، قال: ثم قال لي: «اذهب فادع لي معاوية»، قال: فجئت فقلت: هو يأكل، فقال: «لا أشبع الله بطنه».
قال النووي معلقاً على هذا الحديث: وقد فهم مسلم رحمه الله من هذا الحديث أن معاوية لم يكن مستحقاً للدعاء عليه، فلهذا أدخله في هذا الباب. وجعله غيره من مناقب معاوية لأنه في الحقيقة دعاء له، ولذلك قال ابن عساكر عن حديث «لا أشبع الله بطنه»: أصح ما روي في فضل معاوية، وبعده حديث: «اللهم علمه الكتاب»، وبعده حديث: «اللهم اجعله هادياً مهدياً». وعن الحديث نفسه قال الذهبي: قلت: لعل أن يقال: هذه منقبة لمعاوية لقوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم من لعنته أو سببته، فاجعل ذلك له زكاة ورحمة». وقال الألباني: قد يستغل بعض الفرق هذا الحديث ليتخذوا منه مطعناً في معاوية رضي الله عنه، وليس فيه ما يساعدهم على ذلك، كيف وفيه أنه كان كاتب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقيل في: «لا أشبع الله بطنه»: إنها كلمة جرت على عادة العرب؛ نحو: قاتله الله ما أكرمه، ويل أمه وأبيه ما أجوده، مما لا يراد معناه.
جـ ما أخرجه البخاري من طريق أنس بن مالك، عن خالته أم حرام بنت ملحان قالت: نام النبي صلى الله عليه وسلم يوماً قريباً مني، ثم استيقظ يبتسم، فقلت: ما أضحكك؟ قال: «أناس من أمتي عرضوا علي، يركبون هذا البحر الأخضر، كالملوك على الأسرة»، قالت: فادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها، ثم نام الثانية، ففعل مثلها، فقالت قولها، فأجابها مثلها، فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: «أنت من الأولين»، فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازياً أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية، فلما انصرفوا من غزوتهم قافلين ، فقُرِّبت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت. قال ابن حجر معلقاً على رؤيا رسول الله (ص): قوله: «ناس من أمتي عرضوا علي غُزاة...» يشعر بأن ضحكه كان إعجاباً بهم، وفرحاً لما رأى لهم من المنزلة الرفيعة.
د ـ ما أخرجه البخاري من طريق أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا»، قالت: يا رسول الله ! أنا فيهم؟ قال: «أنت فيهم». ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم» فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: «لا».
قال المهلب معلقاً على هذا الحديث: في هذا الحديث منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر.
وكان معاوية رضي الله عنه يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى زعماء القبائل، وكتابة معاوية للوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم أتاحت له لوناً من القرب الطبيعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الفترة التي أعقبت فتح مكة حتى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما يستتبع بالضرورة التأثر بشخص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، والأخذ المباشر منه.
 
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022