السبت

1447-04-05

|

2025-9-27

أدلة وجود الخالق (سبحانه وتعالى): دليل الخلق
بقلم: د. علي محمد الصلابي

28 ربيع الأول 1441 هـ
25 نوفمبر 2019

خلاصةُ هذا الدليل: أنَّ هذا الخلقَ بكلِّ ما فيه شاهدٌ على وجودِ خالقه العليِّ القدير سبحانه، قال تعالى: "أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ* أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ" (الطور: 35-36). ويقول لهم: أنتم موجودون، هذه حقيقةٌ لا تنكرونها، وكذلك السماواتُ والأرضُ موجودتان، وقد تقرّر في بداهةِ العقول أنَّ الموجودَ لا بدَّ من سببٍ لوجودِهِ. وهذا يدركُه راعي الإبل، فيقول: البعرةُ تدل على البعيرِ، والأثرُ يدلُّ على المسير، فسماءٌ ذاتُ أبراجٍ، وأرضٌ ذاتُ فجاجٍ، وبحارٌ ذاتُ أمواج، أفلا يدلُّ ذلك على العليمِ الخبيرِ. ويدركه كبارُ العلماء الباحثين في الحياة والأحياء، يقول أحدهم: إنَّ الله الأزلي الكبير، العالم بكل شيء، والمقتدر على كل شيء، قد تجلّى لي ببدائع صنعه، حتى صرتُ دَهشاً متحيّراً، فأيُّ قدرةٍ، وأيُّ حكمةٍ، وأيُّ إبداعٍ أودعه مصنوعاتِ يده صغيرِها وكبيرِها؟
وهذا الذي أشارتْ إليه الآية هو الذي يُعْرَفُ عندَ العلماء باسم: قانون السببية، هذا القانون يقول: إنَّ شيئاً من الممكنات لا يحدُثُ بنفسِه من غيرِ شيء، لأنّه لا يحمِلُ في طبيعته السببَ الكافي لوجودِه، ولا يستقلُّ بإحداثِ شيءٍ، لأنَّه لا يستطيعُ أن يمنحَ غيرَه شيئاً لا يملكه هو.
وبهذا الدليل كان علماءُ الإسلام ولا يزالون يواجِهون الجاحدين، فهذا الإمام أبو حنيفة رحمه الله يعرِضُ له بعضُ الزنادقة المنكرين للخالق، فيقول لهم: ما تقولون في رجلٍ يقولُ لكم: رأيتُ سفينةً مشحونةً بالأحمالِ، مملوءةً من الأنفال، قد احتوتها في لُجَّةِ البحرِ أمواجٌ متلاطمة، ورياحٌ مختلفة، وهي مِنْ بينها تجري مستويةً، ليس لها ملاّح يجريها، ولا متعهِّدٌ يدفعُها، هل يجوزُ ذلك في العقل؟
قالوا: هذا شيءٌ لا يقبلُه العقلُ.
فقال أبو حنيفة: يا سبحان الله! إذا لم يجز في العقلِ سفينة تجري في البحرِ مستوية من غيرِ متعهِّدٍ ولا مُجْرٍ، فكيف يجوزُ قيامُ هذه الدنيا على اختلافِ أحوالها، وتغيرُّ أعمالها، وسَعَةِ أطرافها، وتباين أكنافها، من غير صانعٍ ولا حافظٍ؟! فبكوا جميعاً، وقالوا: صدقتَ وتابوا.
هذا القانون الذي سلّمت به العقول، وانقادت له، هو الذي تشير إليه الآية الكريمة: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) (الطور: 35). وهو دليلٌ يرغمُ العقلاءَ على التسليم بأنَّ هناك خالقاً معبوداً، إلاّ أنَّ الآية صاغته صياغةً بليغةً مؤثرةً، فلا تكاد الآية تمسُّ السمعَ حتى تزلزلَ النفسَ وتهزَّها.
قال أبو العتاهية "من المتقارب":
فوا عجبًا كيف يُعْصَى الإلهُ *** أم كيفَ يجحدهُ الجاحدُ
وفي كل شيءٍ له آية *** تدلّ على أنّه واحدُ.
لقد تناولَ القرآن الكريمُ قضيةَ الخَلْقِ والتدبير تناولاً فريداً، وعُني بتوجيه العقولِ إلى النظرِ في آفاقِ الكونِ وآيات اللهِ الكثيرة، وأهابَ بالعقلِ أنْ يستيقظَ من سُباته، ليتفكَّرَ في ملكوتِ السماواتِ والأرضِ، وما أُودعَ فيها من الآيات. ويكرِّرُ القرآن الكريم ذلك في أساليب متنوعة، ليرى هذا الإنسان ُويسمعَ في آفاقِ الكونِ ما يقودُهُ إلى الإيمانِ بخالقه سبحانه وتعالى، ويعلمَ أنَّ هذا الكونَ هو مِنْ صُنعِ اللهِ الخالق المدبر المستحقّ للعبادة وحدَه لا شريك له.

مراجع:

• الأشقر، العقيدة في لله، مرجع سابق، مرجع سابق، ص 71.
• علي الصلابي، مسودة كتاب قصة الخلق وآدم عليه السلام، وجذور الحضارة الإنسانية الأولى
• الكبيسي، المحكم في العقيدة، ص 66.
• محمد بن عبد الله الغامدي، حماية الرسول صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد، عمادة البحث العلمي في الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، ص 216.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022