الإثنين

1446-11-07

|

2025-5-5

من كتاب الدولة الأموية: خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه
(أبو مسلم الخولاني من الغزاة في أرض الروم)

الحلقة: السادسة والخمسون

بقلم الدكتور: علي محمد الصلابي

ربيع الأول 1442 ه/ أكتوبر 2020


وهذا مثال من عظماء الرجال في ذلك العصر الذين ساهموا في صياغة نموذج إسلامي في السلوك والتعامل مع الحكام والمشاركة الإيجابية في المجتمع وحركة الفتوحات.
قال عنه الذهبي: سيِّد التابعين وزاهد العصر، واسمه عبد الله بن ثوب على الأصح، قدم المدينة وقد قبض النبي ﷺ، واستخلف أبو بكر، وكانت له مواقف محموده في ضد الأسود العنسي الذي تنبَّأ باليمن، وثبت أبو مسلم على الإسلام فبعث إليه الأسود، فأتاه بنار عظيمة، ثم إنَّه ألقى أبا مسلم فيها، فلم تضُرَّه، فقيل للأسود: إن لم تَنْفِ هذا عنك أفسد عليك من اتَّبعك. فأمره بالرحيل، فقدم المدينة فأناخ راحلته ودخل المسجد يُصلِّي، فبصُر به عمر رضي الله عنه، فقام إليه، فقال: ممَّن الرجل؟ قال: من اليمن. قال: ما فعل الذي حَرقُه الكذاب بالنار؟ قال: ذاك عبد الله بن ثوب. قال: نشدتك بالله، أنت هو؟ قال: اللهمَّ نعم. فاعتنقه عمر وبكى، ثم ذهب به حتى أجلسه فيما بينه وبين الصِّدِّيق. فقال: الحمد لله الذي لم يُمتني حتَّى أراني في أمة محمد من صنع به كما صُنع بإبراهيم الخليل.
وهذا التابعي الكبير كان من أهل الشام في عهد معاوية، وقد تأثر به خلق كثير بها، وكان رحمه الله كثير العبادة، فعن أبي العاتكة، قال: علَّق أبو مسلم سوْطاً في المسجد، فكان يقول: أنا أولى بالسَّوط من البهائم، فإذا فتر مَشَقَساقيه سوطاً أو سوطين.
ورويَ أنه كان يقول: لو رأيت الجنة عياناً أو النَّار عياناً ما كان عندي مستزاد.
وعن شرحبيل: أن رجلين أتيا أبا مسلم، فلم يجداه في منزله، فأتيا المسجد، فوجداه يركع، فانتظراه، فأحصى أحدهما أنه ركع ثلاثمئة ركعة. وكان أبو مسلم إذا استسقى سُقي، وكان مستجاب الدعوة؛ فعن محمد بن زياد، عن أبي مسلم: أن امرأة خَبَّبتَ عليه امرأته، فدعا عليها، فعميت، فأتته فأعرضت وتابت، فقال: اللهُمَّ إن كانت صادقة، فاردُد بصرها، فأبصرت:.
وشارك رحمه الله بالجهاد في أرض الروم، وعن أبي مسلم الخولاني: أنَّه كان إذا غزا أرض الروم، فمرُّوا بنهر فقال: أجيزوا بسم الله، ويمر بين أيديهم، فيمرون بالنهر الغَمْر، فربما لم يبلغ الدَّواب إلى الرُّكب، فإذا جازوا قال: هل ذهب لكم شيء؟ فمن ذهب له شيء فأنا ضامن له، فألقى بعضهم مِخْلاته عمداً. فلما جاوزوا قال الرجل: مِخْلاتي وقعت، قال: اتبعني، فاتّبعه، فإذا بها معلَّقةٌ بعود في النهر، قال: خذها، وكان الولاة يتيمَّنون بأبي مسلم، ويؤَمِّرونه على المقدِّمات.
وقد توفي رحمه الله بأرض الروم، وكان شتا مع بُسر بن أبي أرطأة فأدركه أجله، فعاده بُسر في مرضه، فقال له أبو مسلم: يا بُسر، اعقد لي على من مات في هذه الغزاة، فإني أرجو أن اتي بهم يوم القيامة على لوائهم[، وعندما سمع معاوية رضي الله عنه بموته قال: إنما المصيبة كل المصيبة بموت أبي مسلم الخولاني وكريب بن سيف الأنصاري.
وكان رحمه الله من أهل الحكمة؛ فقد روي عن أبي مسلم الخولاني في مجال الرِّضا التام بقضاء الله وقدره، قوله: لأن يولد لي مولود يحسن الله عز وجل نباته، حتى إذا استوى على شبابه وكان أعجب ما يكون إليّ قبضه منّي أحب إليّ من أن يكون لي الدنيا وما فيها. وهذا دليل على كمال توحيد أبي مسلم عبد الله بن ثوب الخولاني؛ حيث جاوز مرحلة الصبر على أقدار الله المؤلمة إلى مرحلة الرضا بقضاء الله، فاعتبر المصيبة بفقد ولد قد أحسن الله نباته وكان على خير ما يتمناه المؤمن شباباً وصلاحاً أحبّ إليه من الدنيا وما فيها.


يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022