من كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار (ج1)
(التحذير من أساطير حول مقتل الحسين رضي الله عنه)
الحلقة: الثالثة والثمانون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ربيع الآخر 1442 ه/ نوفمبر 2020
إن الشيعة بالغوا في نقل أخبار تلك الحادثة، وامتلأت كتب التاريخ بحوادث عجيبة قيل: إنها وقعت إثر مقتل الحسين، من احمرار الأفق، وتدفق الدماء من تحت الحجارة، وبكاء الجنّ، إلى غير ذلك من الخيال الذي نسجته عقول الشيعة يومئذ، وما زالوا يردّدونه إلى اليوم تضخيماً لهذا الحادث على حساب غيره من الأحداث الأخرى ، وإن الذي يدرس أسانيد تلك الأخبار والرّوايات لا يرى إلا ضعيفاً هالكاً، أو مجهولاً لا يعرف أصله، أو مدلِّساً يريد تعمية الأبصار عن الحقائق .
ومن أكاذيب مؤرخي الشيعة على سبيل المثال في هذه الموقعة: أن السبايا حملن على نجائب الإبل عرايا، حتى إن الإبل البخاتي إنما نبتت لها الأسنمة من ذلك اليوم لتستر عوارتهن من قبلهن ودبرهن . وقال ابن كثير: ولقد بالغ الشِّيعة في يوم عاشوراء، فوضعوا أحاديث كثيرة وكذباً فاحشاً، من كون الشمس كسفت يومئذ حتى بدت النجوم، وما رفع يومئذ حجر إلا وجد تحته دم، وإن أرجاء السماء احمرّت، وأن الشمس كانت تطلع وشُعاعُها كأنه الدم، وصارت السماء كأنها علقة، وأن الكواكب صار يضرب بعضها بعضاً، وأمطرت السماء دماً أحمر، وأن الحمرة لم تكن في السماء قبل يومئذ.. وأن رأس الحسين لما دخلوا به قصر الإمارة جعلت الحيطان تسيل دماً، وأن الأرض أظلمت ثلاثة أيام، ولم يُمسَّ زعفران ولا ورس مما كان معه يومئذ إلا احترق من مسَّه، ولم يرفع حجر من حجارة بيت المقدس إلا ظهر تحته دم عبيط. وأن الإبل التي غنموها من إبل الحسين حين طبخوها صار لحمها مثل العلقم. إلى غير ذلك من الأكاذيب والأحاديث الموضوعة التي لا يصح منها شيء .
* انتقام الله من قتلة الحسين:
وأما ما رُوِيَ من الأمور والفتن التي أصابت من قتله فأكثرها صحيح؛ فإنَّه قَلَّ من نجا منهم في الدنيا إلا أُصيب بمرض، وأكثرهم أصابه الجنون، وللشيعة والرافضة في صفة مصرع الحسين رضي الله عنه، كذب كثير وأخبار طويلة، وفيما ذكرناه كفاية وفي بعض ما أوردنا نظر، ولولا أن ابن جرير وغيره من الحفاظ الأئمة ذكروه ما سُقته، وأكثره من رواية أبي مخنف لوط بن يحيى، وقد كان شيعياً وهو ضعيف الحديث عند الأئمة، ولكنه أخباري حافظ، عنده من هذه الأشياء ما ليس عند غيره، ولهذا يترامى عليه كثير من المصنَّفين ممَّن بعده والله أعلم .
ويقول ابن تيمية رحمه الله: وأما السؤال عن سَبْي أهل البيت وإركابهم حتى نبت لها سنامان وهي البخاتي ليستتروا بذلك، فهذا من أقبح الكذب وأبينه، وهو مما افتراه الزنادقة والمنافقون، الذين مقصودهم الطعن في الإسلام، وأهله من أهل البيت، وغيرهم، فإن من سمع مثل هذا وشهرته وما فيه من الكذب قد يظن أو يقول: إن المنقول إلينا من معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء هو من الجنس، ثم إذا تبين أن الأمة سبَّتْ أهل بيت نبيها، كان فيها من الطعن في خير أمة أخرجت للناس ما لا يعلمه إلا الله، إذ كل عاقل يعلم أن الإبل البَخَاتي كانت مخلوقة موجودة قبل أن يبعث الله النبي ﷺ، وقبل وجود أهل البيت، كوجود غيرها من الإبل والغنم، والبقر والخيل والبغال ، وللأسف الشديد، فقد شحنت المصادر التاريخية الإسلامية، مثل تاريخ الطبري، وتاريخ ابن عساكر وغيرهما بمثل هذه الأباطيل والأكاذيب، ممّا يتطلب تحقيقاً علمياً لهذين الكتابين خاصة، ولغيرهما من كتب التاريخ .
ما قيل من رثاء في الحسين رضي الله عنه:
قال سليمان بن قَتّة التيمي:
وإن قتيلَ الطَّفِّ من الِ هاشمٍ
أذلَّ رقاباً من قريشٍ فذلّتِ
مررتُ على أبياتِ ال محمدٍ
فألفيتُها أمثالَها حين حُلَّتِ
وكانوا لنا غُنْماً فعادوا زبّة
لقد عظمتْ تلك الرزايا وجَلّتِ
فلا يبعدُ الله الديارَ وأهلَها
وإن أصبحتْ منهم برغمي تخلتِ
إذا افتقرتْ قيسٌ جبرنا فقيرَها
وتقتلُنا قيسٌ إذا النّعلُ زلّتِ
وعند غنيِّ قطرة من دماءنا
سنجزيهم يوماً بها حيث حَلّتِ
ألم تر أن الأرضَ أضحتْ مريضةً
لفقدِ حسينٍ والبلاد اقشعرَّتِ
وقال أبو الأسود الدِّيْلي في قتل الحسين رضي الله عنه:
أقول وذاك من جزع ووجدِ
أزالَ اللهُ ملك بني زيادِ
وأبعدهم بما غَدَروا وخَانوا
كما بعدتْ ثَمودُ وقومُ عادِ
هموا خَشَمُوا الأنوف وكُنَّ شُمّاً
لقتلِ ابن القُعَاسِ أخي مرادِ
قتيلَ السُّوق يا لك من قتيلٍ
به نضحَ من أحمرٍ كالجِسادِ
وأهل نبينا من قبل كانوا
ذوي كرمٍ دعائمَ للبلادِ
حسينٌ ذو الفضول وذو المعالي
يزينُ الحاضرين وكلَّ باد
أصاب العِزَّ مَهْلِكُهُ فأضحى
عميداً بعد مصرعِهِ فؤادي
وقال عبيد الله بن الحر أيضاً:
يا لكِ حسرةً ما دمتُ حيّاً
تردّد بيـن حلقي والتّراقي
حسيناً حين يطلبُ بذلَ نصري
على أهلِ العداوةِ والشّقاقِ
ولو أني أواسيه بنفسي
لنلتُ كرامةً يوم التّلاقِ
مع ابن المصطفى نفسي فِداه
فولّى ثم ودّعَ بالفراقِ
غداةَ يقول لي بالقصر قولاً
أتتركُنا وتُزمع بالظلاقِ؟
فلو فلق التَلهّفُ قلبَ حَيٍّ
لهمَّ اليومَ قلبي بانطلاق
فقد فاز الأُلى نصروا حسيناً
وخاب الاخرون أولو النفاق
وقال شاعر الإسلام محمد إقبال:
وحسينُ في الأبرارِ والأحرارِ
ما أزكى شمائلَه وما أنداه
فتعلموا ريّ اليقينِ من الحسينِ
إذا الحسينُ وقد أجاب نداها
الأمهات يلدن للشمسِ الضياءَ
وللجواهِرِ حسنَها وصَفاها
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com