تأملات في الآيتين الكريمتين:
{وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ*}
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 155
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
جمادى الأول 1444ه/ ديسمبر 2022م
هذه حلقة أخرى من قصة إبراهيم - عليه السّلام -، لقد انتهى أمره مع أبيه وقومه، لقد أرادوا به الهلاك في النار التي أسموها الجحيم، وأراد الله أن يكونوا هم الأسفلين ونجّاه من كيدهم أجمعين، وعندئذ استدبر إبراهيم مرحلة من حياته ليستقبل مرحلة وطوى صفحة لينشر صفحة(1).
1-قوله تعالى: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ}:
هكذا {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي}؛ إنّها الهجرة وهي هجرة نفسية قبل أن تكون هجرة مكانية، هي هجرة وراءه فيها كل شيء من ماضي حياته، يترك أباه وقومه وأهله وبيته ووطنه وكل ما يربطه بهذه الأرض، وبهؤلاء الناس، ويدع وراءه كذلك كل عائق وكل شاغل، ويهاجر إلى ربه متخففاً من كل شيء، طارحاً وراءه كل شيء، مسلماً نفسه لربّه لا يستبقي منها شيئاً، موقنٌ أن ربَّه سيهديه، وسيرعى خطاه وينقلها في الطريق المستقيم.
إنّها الهجرة الكاملة من حالٍ إلى حال، ومن وضعٍ إلى وضع، ومن أواصر شتى إلى آصرة واحدة لا يزحمها في النفس شيء، إنَّه التعبير عن التجرد والخلوص والاستسلام والطمأنينة واليقين.
وكان إبراهيم - عليه السّلام - حتى هذه اللحظة وحيداً لا عقب له، وهو يترك وراءه أواصر الأهل والقربى والصحبة والمعرفة، وكل مألوف له في ماضي حياته، وكل ما يشدّه إلى الأرض التي نشأ فيها والتي انحسم ما بينه وبين أهلها الذين ألقوه في الجحيم، فاتجه إلى ربّه الذي أعلن أنه ذاهب إليه، اتجه إليه يسأله الذرية المؤمنة والخلف الصالح(2).
2-قوله تعالى: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ}:
لمّا غادر إبراهيم - عليه السّلام - العراق متّجهاً إلى الشام، وفي الطريق أحسّ عليه السّلام، بأنه يسير دون أن يكون في صحبته ولد يؤنسه ويعينه، لقد شعر بالحاجة إلى وريث للدعوة معين فيها، وأحسَّ بالشعور الفطري، شعور الأبوة، يريد أن يتحقق هذا الشعور، فهو أمر فطري في الإنسان.
ولم يكن إبراهيم - عليه السّلام - قد أنجب آنذاك أولاداً، فاتّجه إلى الله في تبتّل وضراعة وخشوع، وقال: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} أي: الصالحين للدعوة، والصالحين للحياة، والصالحين في أنفسهم، والصالحين لله، إنَّ كلمة {الصَّالِحِينَ} فيها من المعاني ما فيها، وقد استجاب الله دعاء عبده الصالح النبيَّ المهاجر، الداعية المتجرد صاحب القلب السليم(3).
مراجع الحلقة الخامسة والخمسون بعد المائة:
(1) في ظلال القرآن، سيد قطب، (5/2994).
(2) في ظلال القرآن، سيد قطب، (5/2994).
(3) قصص الأنبياء في رحاب الكون، د. عبد الحليم محمود، ص125.
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي