السبت

1446-11-05

|

2025-5-3

تأملات في الآيات الكريمة:

*{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (*) أَئِفْكًا آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (*) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (*)}*

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 148

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

جمادى الأول 1444ه / ديسمبر 2022م

 

1-{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ}:

فقال أي شيء تعبدونه؟ وكأنه يقول لهم أن هذه الأصنام لا تستحق العبادة، فكيف تعبدونها من دون الله؟ ما تعبدونه ليس من شأنه أن يُعبد، ولا أن يكون له عابدون(1).

و{مَاذَا تَعْبُدُونَ}: استفهام إنكاري وهو أقوى من الإخبار؛ لأنَّ الإخبار يمكن أن يُكذب، أما الاستفهام فيجعل الخصم يُقرّ بالقضية، ولا يستطيع أن يُكذبها(2).

2-قوله تعالى: {أَئِفْكًا آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ}

أي تعبدون إفكاً آلهة من دون الله، فالآلهة التي يعبدونها من دون الله إفكاً وباطلاً وزوراً مبالغة في ذمها(3).

والإفك هو أقبح أنواع الكذب؛ لأنَّ القُبح في الكذب على مراحل كيف؟ قالوا: ننظر في الموضوع الذي يكون فيه الكذب، فإن كان في الحقيقة العليا في الذات الإلهية فهو أقبح الكذب، كمن يدَّعي لله شريكاً.

فإن كان الكذب على البشر فهو بحسب من تكذب في حقه، فمثلاً الذين اتهموا السيدة عائشة - رضي الله عنها - وخاضوا في عرضها سمّاه الله إفكاً لشناعته وعظم منزلته من قيل في حقه هذا الكذب، فقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} ]النور:11[، ومن معاني الإفك قلب الشيء على وجهه وقلب الحقيقة، ومن ذلك قوله تعالى: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} ]النجم:53[، والمعنى: أتريدون آلهة إفكاً وكذباً دون الله(4).

وهذا السؤال الإنكاري الموجّه من إبراهيم - عليه السّلام - إلى أبيه وقومه يُنكر عليهم عبادة الأصنام، فهي ليس لها أي من حق لعبادتها، فكيف يعبدونها؟ فهي الإفك المحضّ والافتراء المحضّ والافتراء الذي لا شبهة فيه(5).

3-قوله تعالى: {فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}:

أخبرونا ماذا تظنون في الله؟ وما الذي يعجبكم في ألوهيته سبحانه؟ وكيف تخدعون أنفسكم فتنصرفون عنه سبحانه وهو رب العالمين ومثال ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} ]الانفطار:6[، لذلك قال أحد العارفين: كأن الحق سبحانه لقّن الناس الجواب، فالذي غرّني بالله أنه كريم، فكأن الحق سبحانه يتعجّب من هؤلاء الذين أشركوا به سبحانه مع وضوح الدليل على بطلان شركهم، والشيء الذي لا يُتعجّب منه إلا إذا جاء على غير ما يجب أن يكون عليه من الصدق؛ لذلك قال سبحانه في أول البقرة: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ]البقرة:28[، يعني: هذا أمر عجيب منكم، ومسألة لا يقبلها العقل(6).

{فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}: وهي كلمة يبدو فيها استنكار الفكرة السليمة البريئة، وهي تطلع على الأمر البيّن الذي يصدم الحس والعقل والضمير(7)، فما ظنكم بربِّ العالمين أن يفعل بكم وقد عبدتهم معه غيره؟ وهذا ترهيب لهم بالجزاء بالعقاب على الإقامة على شركهم، وما الذي ظننتم برب العالمين من النقص حتى جعلتم له أنداداً وشركاء؟(😎. ويسقط السّياق هنا ردّهم عليه وحوارهم معه، ويمضي مباشرة في المشهد التالي إلى عزيمته التي قررها في نفسه تجاه هذا الإفك المكشوف(9).

وقد بيّنت سورة الأنبياء والشعراء ردود قومه وقد تم توضيحها في مكانها.

 

مراجع الحلقة الثامنة والأربعون بعد المائة:

(1) قصة إبراهيم في القرآن الكريم، إسحاق محمد حمدان البدارين، ص63.

(2) تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، (20/12790).

(3) قصة إبراهيم في القرآن الكريم، إسحاق محمد حمدان البدارين، ص63.

(4) تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، (20/12791).

(5) في ظلال القرآن، سيد قطب، (5/2992).

(6) تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، (20/12792).

(7) في ظلال القرآن، سيد قطب، (5/2992).

(8) تفسير السعدي "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"، ص1474.

(9) في ظلال القرآن، سيد قطب، (5/2992).

 

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022