الإثنين

1446-11-07

|

2025-5-5

تأملات في الآية الكريمة {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 250

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

12 رمضان 1444ه/ 3 إبريل 2023م

 

وهنا يعاودنا نفس التأكيد المعهود بالحرف "إنّ" مقترناً بكاف الخطاب العائد على الذات العليّة، ثم الضمير أنت أضفى على المعنى زيادة في تأكيد قوله: {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}: صفتان معرفتان بــ "أل" القصر هنا؛ أي قصر كل والحكمة عليه - سبحانه وتعالى- فالعزيز هو الذي لا يعزّ عليه شيء، والحكيم هو الذي يضع الأمور مواضعها.

وهذا فضلاً عن المبالغة المستفادة من صيغة "فعيل" التي جاءت عليها الصفتان الكريمتان{الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، كما نلاحظ مناسبة فاصلة الآية لما جاء في السياق، فالعزّة مناسبة للكتاب والشريعة؛ لأنهما يعزّان من يتمسك بهما، كما أن تعليمهما والعمل بهما، ليسا من الأمور السهلة، والحكيم مناسبة للحكمة المطلوبة لهذه الأمة في سياق الآية الكريمة.

وهكذا نلاحظ كيف اختتم الدعاء بهاتين الصفتين المناسبتين لما جاء في الآية الكريمة، وذلك أدعى للقبول والاستجابة فقد قيل: فإذا أراد العبد أن يُستجاب له فليدع الله بما يناسبه من أسمائه وصفاته.(1)

• اسم الله "العزيز":

ورد ذكر اسمه سبحانه {الْعَزِيزُ} في القرآن الكريم في اثنتين وتسعين مرةّ، جاء في أكثرها مقترناً بأسماء أخرى من أسمائه الحسنى، ومن ذلك قوله تعالى: {وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} ]البقرة:260[، وقوله تعالى: {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ} ]ص:9[، وقوله تعالى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ} ]ص:66[.

ويقول ابن قيّم الجوزية - رحمه الله - في نونيّته:

وهو العزيز فلن يُرام جنابه

أنى يُرام جناب ذي السلطان

وهو العزيز القاهر الغلّاب لم

يغلبه شيء هذه صفتـــــــــــــــــــان

وهو العزيز بقوة هي وصفه

فالعزّ حينئذ ثلاث معـــــــــــــــــــــان

وهي التي كملت له سبحانه

من كل وجه عادم النقصان(2)

ويوضح الشيخ السعدي هذه المعاني الثلاثة "للعزيز" فيقول: {الْعَزِيزُ} الذي له العزة كلها؛ عزة القوة، وعزة الغلبة، وعزة الامتناع، فامتنع أن يناله أحد من المخلوقات، وقهر جميع الموجودات ودانت له الخليقة وخضعت لعظمته.(3)

• اسم الله "الحكيم":

ورد اسمه سبحانه {الْحَكِيمُ} في القرآن الكريم في (91) موضعاً، وفي جميع المواضع يذكر هذا الاسم مقترناً باسم آخر من أسمائه الحسنى.

ومن أكثر الأسماء اقتراناً باسمه الحكيم {الْعَزِيزُ}، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ]الحديد:1[، واسم الله "الحكيم": هو الذي لا يقول ولا يفعل إلا الصواب، وإنما ينبغي أن يوصف بذلك لأن أفعاله سديدة وصنعه متقن، ولا يظهر الفعل المتقن السديد إلا من حكيم، كما لا يظهر الفعل على وجه الاختيار إلا من حي عالم قدير.(4)

وقال السعدي أيضاً: {الْحَكِيمُ} هو الذي له الحكمة العليا في خلقه وأمره الذي أحسن كل شيء خلقه { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } ]المائدة:50[، فلا يخلق شيئاً عبثاً ولا يشرع سدى، الذي له الحكم في الأولى والآخرة، وله الأحكام الثلاثة لا يشاركه فيها مشارك، فيحكم بين عباده في شرعه، وفي قدره وجزائه، والحكمة: وضع الأشياء مواضعها، وتنزيلها منازلها.(5)

هذا ولقد حقق إبراهيم - عليه السّلام - العبودية لله عزّ وجل، فكان لله في صدق، فكان الله له: استجابة ورعاية وعناية وتوفيقاً.(6)

وقد يتساءل إنسان عن السرِّ في أن الله سبحانه كان دائماً يستجيب دعاء إبراهيم عليه السلام ولاستجابة الدعاء شروط، إذا توافرت تمت الاستجابة، منها ما رواه ابن عباس - رضي الله عنهما- قال: تليت هذه الآية عند النبي صلّى الله عليه وسلّم {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا}، فقام سعد بن أبي وقاص رضي الله عنها فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، فقال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا سعد، أطِب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يُتقبل منه أربعين يوماً وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به.(7)

وإن الشرط الأساسي في استجابة الدعاء أن يحقق الإنسان العبودية في نفسه بالنسبة له وحده تحقيقاً صادقاً وتحقيق العبودية ليس كلمة تقال، وليس عملاً دون نية ولا نية دون عمل، وإنما تتكاتف الجوارح واللسان والقلب، فتتحقق {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.

وإن تحقيق العبودية هو أن يؤدي الإنسان الفروض، ويكثر من النوافل ويخلص قلبه لله وجماع كل ذلك، في قوله صلّى الله عليه وسلّم: "إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ: منْ عادى لي وَلِيّاً، فقدْ آذنتهُ بالْحرْب، وَمَا تقرَّبَ إِلَيَ عبْدِي بِشْيءٍ أَحبَّ إِلَيَ مِمَّا افْتَرَضْت عليْهِ: وَمَا يَزالُ عَبْدِي يتقرَّبُ إِلى بالنَّوافِل حَتَّى أُحِبَّه، فَإِذا أَحبَبْتُه كُنْتُ سمعهُ الَّذي يسْمعُ بِهِ، وبَصره الَّذِي يُبصِرُ بِهِ، ويدَهُ الَّتي يَبْطِش بِهَا، ورِجلَهُ الَّتِي يمْشِي بِهَا، وَإِنْ سأَلنِي أَعْطيْتَه، ولَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَّنه"(8).

 

مراجع الحلقة الخمسون بعد المائتين:

(1) وجوه البيان في دعاء سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، سميرة عدلي محمد رزق، ص224.

(2) نونيّة الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية، ابن قيّم الجوزية، (2/218).

(3) ولله الأسماء الحسنى، عبد العزيز ناصر الجليل، ص406.

(4) الأسماء والصفات، البيهقي، تحقيق: ص22.

(5) تفسير السعدي "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"، نقلاً عن ولله الأسماء الحسنى، عبد العزيز ناصر الجليل، ص283.

(6) قصص الأنبياء في رحاب الكون، عبد الحليم محمود، ص142.

(7) قصص الأنبياء في رحاب الكون، عبد الحليم محمود، ص142.

(8) المرجع السابق، عبد الحليم محمود، ص142. وانظر: صحيح البخاري، كـتاب الرقاق، باب التواضع، رقم: (6502).

 

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022