الجمعة

1447-04-18

|

2025-10-10

السلطة التشريعية في الإسلام ... المفهوم والوظائف

بقلم: د. علي محمد الصلابي

 

تُعَدّ السلطة التشريعية في الإسلام من أبرز ركائز نظام الحكم، إذ تمثل الإطار الذي تُستمدّ منه القوانين والتشريعات المنظمة لحياة الفرد والمجتمع. يقوم مفهومها على مبدأ أن التشريع حقٌّ خالص لله تعالى، فهو المشرّع الأعلى الذي يضع القواعد العامة التي تم إقرارها في القرآن الكريم والسنة النبوية. غير أن الاجتهاد البشري له دور مكمل يتمثل في استنباط الأحكام وتطبيقها على الوقائع المتجددة بما يحقق مصالح الناس ويراعي مقاصد الشريعة. وتبرز أهمية السلطة التشريعية في الإسلام من خلال وظيفتها في تحقيق العدل، وتنظيم العلاقات، وصيانة الحقوق، وضمان استقرار المجتمع وفق أسس شرعية راسخة.

والسلطة التشريعية في المفهوم الإسلامي هي السلطة المؤلفة من صفوة علماء الشريعة المجتهدين، والمكلفة باستخلاص الأحكام الشرعية من مصادرها، والتعريف بها، ووضعها لدى الدولة موضع التنفيذ، والمنوط بها الإشراف على السلطات الأخرى فيما يتعلق بتنفيذ الشريعة، وتطبيق أحكامها، والمعهود إليها مع بقية أهل الشورى، ومع سائر أهل الحل والعقد بالرقابة على الحكومة والمحاسبة لها[(1)].

ومن هذا التعريف يتضح الاتي:

* أن السلطة التشريعية في الإسلام لابد من وجود علماء الشريعة المجتهدين؛ الذين استجمعوا شروط الاجتهاد مع بقية أهل الحل والعقد.

* هذه السلطة هي المكلفة شرعاً والمختصة دستورياً بالقيام بعملية التشريع، وعملها التشريعي لا يعدو أمرين: إما بالنسبة إلى ما فيه نص فعملهم تفهم النص، وبيان الحكم الذي يدل عليه، وإما بالنسبة إلى ما لا نص فيه، فعملهم قياسه على ما فيه نص، واستنباط حكمه بواسطة الاجتهاد[(2)]، مراعين القواعد والمقاصد الشرعية، فالسلطة التشريعية عندما تقوم بالتشريع فإنها لا تنشأئ الأحكام إنشاءً، ولا تبدؤها ابتداءً، وإنما تستمدها وتستخلصها وتستخرجها من كتاب الله وسنة رسوله، لا من غيرهما، وبذلك وضع النظام الإسلامي حداً فاصلاً بين أمرين لا يصح أن يلتبسا، وهما السيادة والسلطان، فالسيادة لله والسلطان للأمة، السيادة لشرع الله، والسلطان للمجتهدين من الأمة الذين يقومون باستنباط الاحكام، والإعلام بها، والإلزام بتطبيقها، وهذا هو سلطانهم الذي لا يتعدى على سيادة القانون.

* أن عمل السلطة التشريعية لا يقف عند حد التشريع، وإنما يتعداه إلى الإشراف والمباشرة لضمان الالتزام بهذا التشريع من قبل السلطتين التنفيذية والقضائية، وخاصة السلطة التنفيذية، كما أنها تشترك مع سائر أهل الشورى وأهل الحل والعقد في القيام بدور الرقابة على باقي السلطات والمحاسبة للحكومة، وإبداء المشورة للحاكم ومعاونيه في كل مشكل يعرض للأمة من الأمور العامة.

إن صفوة علماء الشريعة المجتهدين الذين يمثلون السلطة التشريعية جزء من أهل الحل والعقد؛ لأن أهل الحل والعقد في الأمة ليسوا منحصرين في علماء الشريعة المجتهدين، فضلاً عن أن ينحصروا في صفوتهم المختارة للتشريع، وإنما تتسع دائرتهم لتمثل غيرهم من العلماء والقضاة والأمراء والخبراء والصلحاء والوجهاء العدول؛ الذين يحملون همّ هذا الدين، ويتحملون مسؤولية هذه الأمة، ويعتبرون هم كبار الأمة وقادتها وأولو الأمر فيها[(3)].

المصادر والمراجع:

ـ[1] الأحكام الشرعية للنوازل الشرعية، عطية عدلان، ص 127.

ـ[2] المصدر السابق نفسه، ص 219.

ـ[3] المصدر السابق نفسه، ص 129.

ـ[4] البرلمان في الدولة الحديثة المسلمة، علي محمد الصلابي، دار المعرفة، بيروت، ص 47-52.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022