الأربعاء

1446-11-16

|

2025-5-14

تحيط بالقصة القرآنية ظواهر فنية عديدة، لها حساب معلوم في الدراسة الفنية للقصة الحرة في عالم الفنون، ومن تلك الظواهر نستعرض في مقالتنا الآتي:

  • أولا: تنوع طرائق العرض

في قصص القرآن الكريم أربع طرائق مختلفة للابتداء في عرض القصة:

  1. الأولى: يُذكر ملخصٌ للقصة يسبقها، ثمّ يأتي التفصيل بعد ذلك، من بدئها إلى نهايتها، ومثال ذلك قصة أهل الكهف.
  2. الثانية: يتقدم التذكير بعاقبة القصة ومغزاها، ثمّ تبدأ القصة بعد ذلك من أولها وتسير بتفاصيل خطواتها، وذلك كقصة موسى -عليه السلام- في سورة القصص، وقريب من هذا النحو قصة يوسف -عليه السلام-.
  3. الثالثة: تعرض القصة مباشرة بلا مقدمة ولا تلخيص، ويكون في مفاجآتها الخاصة ما يُغني، وذلك كما في قصة مريم عند مولد عيسى -عليه السلام-، ومفاجآتها معروفة، وكذلك قصة سليمان -عليه السلام- مع النمل والهدهد وبلقيس.
  4. الرابعة: تغدو القصة تمثيلية، فيُذكر من الألفاظ فقط ما ينبه إلى ابتداء العرض، ثمّ تُترك القصة تتحدث عن نفسها بوساطة أبطالها، وذلك مثل قوله تعالى: ﴿وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل﴾ [البقرة: 127] ؛ فهذه إشارة البدء، أما ما يلي ذلك فمتروك لإبراهيم وإسماعيل: ﴿ربنا تقبَّل منا إنك أنت السميع العليم﴾ [البقرة: 127]، إلى نهاية المشهد الطويل، ولهذا نظائره في كثير من قصص القرآن الكريم.  

 

  • ثانيا: تنوع طرائق المفاجأة

فمَرّة يكتم سر المفاجأة عن البطل وعن القارئ، حتى يُكشف لهما معا في آن واحد، مثال ذلك قصة موسى -عليه السلام- مع العبد الصالح والعالم في سورة الكهف.

في أخرى يكشف السر للقارئ، ويترك أبطال القصة عنه في عماية، وهؤلاء يتصرفون وهم جاهلون بالسر، وأولئك يشاهدون تصرفاتهم عالمين، وأغلب ما يكون ذلك في معرض السخرية؛ ومثل ذلك ما نراه في قصة أصحاب الجنة في سورة القلم.

في ثالثة يكشف بعض السر للقارئ، وهو خاف على البطل في موضع، وخاف على القارئ  وعلى البطل في موضع آخر في القصة الواحدة؛ ومثال ذلك قصة عرش بلقيس الذي جيء به في غمضة، وعرفنا نحن أنه بين يدي سليمان -عليه السلام- في حين أن بلقيس ظلّت تجهل ما نعلمه نحن، قال تعالى: ﴿فلما جاءت قيل أهكذا عرشكِ قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين﴾ [النمل: 42]؛ فهذه مفاجأة عرفنا سرها سلفا، ولكن مفاجأة الصرح الممرّد من قوارير ظلت خافية علينا وعليها حتى فوجئنا بسرها معا حين: ﴿قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لُجَّةً وكشفت عن ساقيها قال إنه صرحٌ مُمرَّدٌ من قوارير﴾ [النمل: 44].

وفي رابعة: لا يكون هناك سر، بل تواجه المفاجأة البطل والقارئ في آن واحد، ويعلمان سرها في الوقت ذاته؛ وذلك كمفاجأة قصة مريم.

  • ثالثا: الفجوات بين المشاهد في عرض القصة:

تلك الفجوات بين المشهد والمشهد، التي يتركها تقسيم المشاهد و(قص) المناظر، مما يؤديه في المسرح الحديث "إنزال الستار".


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022