السؤال
ما معنى الفتنة، وما المقصود بها في القرآن الكريم، هل هو الشرك أم ماذا؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فأصل الفتنة من مادة (فتن)، ومدارها -كما يقول أهل اللغة وغريب القرآن- على معنى الابتلاء والاختبار، كقوله تعالى: "أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ" [العنكبوت:2-3] ومنه (فتن الذهب) بإدخاله النار لتظهر جودته، ويميز عن الرديء.
وقد ورد لفظ الفتنة في القرآن الكريم ويراد به عدد من المعاني، منها ما أشار إليه السائل الكريم، نحو قوله تعالى: "وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ" [البقرة:191]، ووجه تقييد معنى الفتنة هنا بالشرك، وإن كان لفظاً مطلقاً، أن ما دون الشرك من الأذى والتنكيل، بل والإخراج والتقتيل، قد حصل من المشركين على المؤمنين، فدل على أن المراد هنا الشرك، ثم إنه لا شيء أعظم من ذهاب النفس قتلاً؛ إلا ذهاب الدين وانحلال وثاقه.
وهذه الآية بالغة الغاية في التحذير من الشرك وسبله المفضية إليه، إذ جعلته أشد خطرًا من القتل، مع ما فيه من ذهاب النفس وفوات الروح.
ومن المعاني التي ورد عليها لفظ الفتنة: العذاب والبلاء، كقوله تعالى: "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ" [العنكبوت:10].
قال الطبري: "ومن الناس من يقول: أقررنا بالله، فإذا آذاه المشركون في إقراره بالله جعل فتنة الناس إياه في الدنيا، كعذاب الله في الآخرة".
ومن معاني الفتنة: الضلال، كقوله تعالى: "وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً" [المائدة:41]. قال الطبري -رحمه الله- "ومعنى الفتنة في هذا الموضع: الضلال".
أسأل الله أن يرزقنا الفقه في كتابه، والعمل بشريعته، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه
د. ناصر بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية