"الرعد والبرق والصواعق" في القرآن الكريم
الحلقة السابعة والعشرون
بقلم الدكتور: علي محمد الصلابي
جمادى الأول 1441ه/يناير 2020م
أ ـ معجزة قرآنية وحقيقة كونية:
قال تعالى:" هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِىءُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ" (الرعد، آية : 12 ـ 13).
يخبر تعالى أنه هو الذي يسخر البرق، وهو ما يُرى من النور اللامع ساطعاً من خلال السحاب " خَوْفًا وَطَمَعًا". قال قتادة: خوفاً للمسافر يخاف أذاه ومشقته، وطمعاً للمقيم يرجو بركته ومنفعته ويطمع في رزق الله.
ـ " وَيُنْشِىءُ السَّحَابَ الثِّقَالَ" أي يخلقها منشأة جديدة، وهي لكثرة مائها ثقيلة قريبة إلى الأرض قال مجاهد: السحاب الثقال: الذي فيه المال.
ـ " وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ" كقوله " وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ" (الإسراء، آية : 44).
وروى الإمام أحمد عن شيخ من بني غفار أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله ينشئ السحاب فينطق أحسن النطق ويضحك أحسن الضحك. وروى ابن جرير عن أبي هريرة أنه كان إذا سمع الرعد قال: سبحان من يسبح الرعد بحمده.
يقول الزنداني: سألت بعض أساتذة الأرصاد قلت لهم: هل للرعد ذبذبة متكررة؟ فالإنسان عندما يسبح: سبحان الله، سبحان الله، لابد من نغم مكرر فقلت: هل هناك نغمات مكررة للرعد؟ فقال: نعم.. هناك نغمات مكررة تتردد على وتيرة واحدة بالنسبة لها والله أعلم " وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ" (الإسراء ، آية : 44).
ـ وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان إذا سمع صوت الرعد قال: سبحان من سبحت له، وكذا روى عن ابن عباس وطاوس والأسود بن يزيد أنهم كانوا يقولون ذلك.
وعن عبد الله بن الزبير أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته.
ـ " وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ" أي: خشعاً لربهم خائفين من سطوته.
ـ " وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ" وهي هذه النار التي تخرج من السحاب.
ـ "فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء" أي: من عباده بحسب ما شاء وأراده.
ـ " وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ" أي: شديد الحول والقوة، فلا يريد شيئاً إلا فعله، ولا يتعاصى عليه شيء، ولا يفوته هارب، فإذا كان وحده الذي يسوق للعباد الأمطار والسحب التي فيها مادة أرزاقهم، وهو يدبر الأمور وتخضع له المخلوقات العظام التي يُخاف منها وتزعج العباد، وهو شديد القوة، فهو شديد القوة الذي يستحق أن يعبد وحده.
وفي هذه الآيات حقيقة كونية، وهي أن سبب حدوث البرق والرعد والصواعق مع تكوين السحاب والثقال الممطر أي المتشابه الضخم، في الجو العاصف هو اجتماع الحالتين المتضادتين المتكهربتين المتجاذبتين تجاذباً شديداً في هذا السحاب عندما يقترب بعضه من بعض ثم يجتمعان ويخبر العلم أن البرق شرر كهربائي عظيم الحرارة شديد الضوء مفرط السرعة ويحدث بمرور الكهرباء في الهواء بين كتل السحاب الرعدي، فيسخن الهواء من مقاومته لمرور الكهرباء خلاله إلى درجة عظيمة، ويتمرد بسرعة كبيرة، ولكنه يبرد ويرجع إلى حالته الأصلية بسرعة كبيرة أيضاً، فتولد من تمدده وانكماشه السريعين موجات اهتزازية عظيمة السعة فتنتشر في الهواء بين السحاب والأرض، فينشأ عنهما صوت الرعد، فالعلم إذن يتفق مع ما قيل عن السبب العام في تولد البرق والرعد والصواعق، وهو التكهرب الموجب والسالب في السحاب.
ب ـ علاقة البرق بالبرد:
قال تعالى:" أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ" (النور، آية : 43)
قال الشيخ الزنداني: درس علماء الأرصاد في العشر سنوات الأخيرة سبب تكوين البرق في السحاب، فقامت الطائرات والبالونات والأقمار الصناعية، والأرصاد والأجهزة، وتقدموا بكل ما لديهم ليدرسوا السبب، فهم يدرسون السبب لا لتفسير الآية ولكنهم يدرسونها ليعرفوا كيف تتقي الطائرات خطر هذا البرق فقاموا بالتجارب في أمريكا واليابان وغيرهما.. وانتهت الأبحاث إلى معرفة السبب في تكوين البرق، والآن ظهرت الحقيقة؟
في عام 1985م ..أي منذ عهد قريب فقط قال العلماء: انتهى البحث إلى ما يلي: لكي يتكون البرق لابد من شيئين:
ـ لابد أن يكون السحاب ناقصاً بمقدار "10 ـ 20" درجة مئوية، وما بين الدرجتين هي الدرجة الحرارية التي يتكون فيها البرد.
ـ لابد أن يكون في جسم السحاب مادة صلبة: المادة الصلبة هي البرد، والماء هو السحاب، وقطرات السحاب ثم انتهى البحث فقال: عندما يتحول الماء إلى برد يخرج منه شحنة كهربائية فالسبب الأصلي في تكوين البرق في السحاب هو "البرد" فاللمعان الذي ترونه شديداً ذاك لمعان كهرباء نتجت بالبرد وبسبب البرد تكويناً وإطلاقاً.
وتشير الآية الكريمة إلى أن أهم أخطار البرق الذهاب بالبصر والعجيب أن هذا هو عين ما يعانيه الطيار من أخطار في حالات العواصف الرعدية والومضات البرقية خصوصاً في المناطق الحارة، حيث تبلغ ومضات البرق في الدقيقة الواحدة أربعين ومضة أو شرارة هائلة، فيصيب فقد البصر، ولا يقوى على الاستمرار في قيادة طيارته.
ج ـ أخطار الصواعق والبرق:
قال تعالى:" أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (البقرة، آية : 19 ـ 20).
إنه مشهد عجيب، حافل بالحركة، مشوب بالاضطراب، فيه تيه وضلال، وفيه هول ورعب، وفيه فزع وحيرة، وفيه أضواء وأصداء.. صيب من السماء هاطل غزير " فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ" " كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ" " وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ".. أي وقفوا حائرين لا يدرون أين يذهبون وهم مفزعون " يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ" إن الحركة التي تغمر المشهد كله: من الصيب الهاطل، إلى الظلمات والرعد والبرق، إلى الحائرين المفزعين فيه إلى الخطوات المروعة الوجلة، التي تقف عندما يخيم الظلام إن هذه الحركة في المشهد لترسم ـ عن طريق التأثر الإيحائي ـ حركة التيه والاضطراب والقلق التي يعيش فيها أولئك المنافقون، وفي هذه الآيات حقيقة علمية متعلقة بأخطار الصواعق فقد أثبت العلم الحديث أن الصواعق تحدث نتيجة التفريغ الكهربائي ويتم هذا التفريغ عادة خلال الأجسام المرتفعة أو القابلة للتوصيل الكهربائي، ولهذا السبب يتعرض الشجر وخاصة البلوط للصواعق، كما تتعرض لها السفن في البحار والمحيطات، وإذا أصيب شخص بمس بسيط من صاعقة وجبت المبادرة إلى إجراء التنفس الصناعي له لمدة لا تقل عن ساعة، وربما تعود إليه الطبيعة وغالباً ما يفقد حياته، ولا عجب فقد أهلك الله عاد وثمود بالصاعقة، فقال: " أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ" (فصلت، آية : 13).
ويسبب الرعد سخيناً شديداً فجائياً في مناطق الهواء التي ينبعث منها وكذلك تفعل الصاعقة بطبيعة الحال، فتتمدد هذه المناطق فجأة وتولد سلسلة من أمواج التضاغط والتخلخل في الجو "هو الرعد"، ويعزو العلماء جلجلة الرعد المعروفة إلى ما يعتري سلسلة الأمواج الصوتية هذه من عدة انعكاسات من قواعد السحب ومن المرتفعات ونحوها.
المصادر والمراجع:
* القرآن الكريم
* علي محمد محمد الصلابي، المعجزة الخالدة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم براهين ساطعة وأدلة قاطعة، دار المعرفة، صفحة (128:123).
* أحمد مصطفى متولي، الموسوعة الذهبية في إعجاز القرآن والسنة، صفحة (148،145،142).
* عبد المجيد الزنداني، آيات الله في الآفاق، صفحة (71،70).