عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح (رضي الله عنه)، المتوفي سنة 4 هـ، صحابي من الأنصار من بني ضبيعة بن زيد من الأوس، أحد رجال الأوس المعروفين، وأبرز الرماة المعدودين، ويكنى أبا سليمان. أسلم مع وصول الدعوة إلى المدينة، وبايع النبي ﷺ بيعة العقبة، وشهد معه غزوتي بدر وأحد، وأخلص وبذل كل طاقاته في سبيل فكرته حتى قُتل يوم الرجيع في شهر صفر من السنة الرابعة للهجرة. هاجر المسلمون من مكة إلى المدينة، ولما هاجر رسول الله ﷺ، آخى بين المسلمين لتقوية الصلة بينهم جميعاً، ولتحقيق أخوة الإيمان، وقد آخى رسول الله ﷺ، بين عبد الله بن جحش وبين عاصم بن ثابت (ضي الله عنهما). ولما ندب رسول الله ﷺ المسلمين للخروج إلى قافلة أبي سفيان كان عاصم من أوائل الذين خرجوا، غير أن تقدير الله كان أن التقى المسلمون مع جموع قريش التي جاءت لحماية القافلة، وكانت القافلة قد نجت بتغيير خط سيرها، فكانت معركة بدر، وقد أبلى فيها عاصم (رضي الله عنه) بلاءً حسناً، وبعد المعركة قتل عقبة بن أبي معيط صبراً بأمر رسول الله ﷺ (بناة دولة الإسلام، محمود شاكر، ج4 ص203). ولما جاءت معركة أحد كانت لعاصم اليد الطولى في القتال، حتى تمكن من قتل حاملي لواء قريش (مسافعاً والحارث) فقتلهما، ولما سألت أمهما سُلافة بنت سعد أحد أولادها وكان ينازع في حجرها من أصابك يا بني فقال: «سمعت رجلاً يقول خذها وأنا ابن أبي الأقلح وهو عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح»، فنذرت لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن في قحفه الخمر وجعلت لمن يأتيها برأسه مائة ناقة. (صفة الصفوة، ابن الجوزي، ج1 ص173). وبعد غزوة أحد بفترة قصيرة، انتدب رسول الله ﷺ ستة من كرام الصحابة لبعثٍ من بعوثه، وأمر عليهم عاصم بن ثابت (رضي الله عه). فمضى النفر الأخيار لإنفاذ ما أمرهم به النبي ﷺ، وفيما هم في بعض الطريق -غير بعيد عن مكة- علمت بهم جماعة من هذيل؛ فهبوا نحوهم مسرعين، وأحاطوا بهم. فامتشق عاصم ومن معه سيوفهم وهمّوا بمنازلة المطبقين عليهم. فقال لهم الهذليون: إنكم لا قبل لكم بنا، وإننا والله لا نريد بكم شراً إذا استسلمتم لنا، ولكم على ذلك عهد الله وميثاقه. فالتفت عاصم إلى أصحابه وقال: «أما أنا فلا أنزل في ذمة مشرك»، ثم تذكر نذر سلافة الذي نذرته، وجرد سيفه، وبقي عاصم (رضي الله عنه) يرميهم حتى فنيت نبله، ثم طاعنهم برمحه حتى انكسر رمحه، وبقي السيف فقال: اللهم إني حميت دينك أول النهار فاحم لي لحمي آخره. وهجم عاصم (رضي الله عنه) عليهم بالسيف فقتل رجلاً منهم وجرح اثنين، ثم شرعوا فيه الأسنة حتى قتلوه. (صور من حياة الصحابة، عبد الرحمن رأفت باشا، ج1 ص380) وأرادت هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد، فبعث الله الدبر (جماعة النحل) فمنعتهم منه، فلما حالت بينهم وبينه قالوا: دعوه حتى يمسي فيذهب عنه فنأخذه، فبعث الله الوادي (سيلاً) فاحتمل عاصماً (رضي الله عنه) فذهب به، وكان عاصم قد أعطى عهداً أن لا يمسه مشركٌ ولا يمس مشركاً أبداً تنجساً. فكان عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يقول حين بلغه أن الدبر منعته: «عجباً لحفظ الله العبد المؤمن، كان عاصم نذر أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركا أبدا فمنعه الله بعد وفاته كما امتنع عاصم في حياته». (البداية والنهاية، ابن كثير، ج3 ص67)