الأحد

1447-02-09

|

2025-8-3

في معنى "التمكين" للدين والأمة

مختارات من كتاب "فقه النصر والتمكين" للدكتور علي الصلابي

 

يتكرر ذكر مصطلح " التمكين " في سياق الحديث عن سبل النصر وطرق نهضة الأمة وإعادة بعثها من جديد، وقد أخذ هذا المفهوم حيزاً مهماً من الاهتمام في كتابات العلماء والفقهاء الأولين والمتأخرين، وما ذاك إلا لأن هذا المفهوم كان قبل كل شيء مفهوماً قرآنياً، حيث ذكره الله تعالى في عدة مواضع من القرآن الكريم، وفي هذا دلالة على أهمية التمكين كغاية في حياة المسلمين وضرورة تحقيق شروطه والسعي للوصول إليه.

اشتقت كلمة (التمكين) في اللغة من مصدر الفعل (مَكَّن)، و(أمْكَنَه) منه بمعنى استمكن الرجل من الشيء، وتمكّن فلان من الشيء، وفلان لا (يُمْكِنه) النهوض أي لا يقدر عليه (1).

ومن التمكين (المَكِنَة) تقول العرب: إن فلان لذو مَكِنة من السلطان أي تمكَّن (2). وتسمى العرب موضع الطير مكنة لتمكن الطير فيه (3)، والمكانة عند العرب هي المنزلة عند الملك (4)، فالتمكين في اللغة: سلطان وملك.

وقد أشار المولى عَزَّ وَجَلَّ إلى هذا المعنى في قوله تعالى عن ذي القرنين: (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا) [الكهف: 84]. والمعنى: أن الله مكن لهذا العبد الصالح في الأرض، فأعطاه سلطانًا قويًا، ويسر له كل الأسباب التي تدعم هذا السلطان، وأعطاه من كل شيء مما يحكم السلطان ويقويه، وكذلك الشأن في حديث القرآن الكريم، عن نبي الله يوسف بن يعقوب، عليهما السلام، فقد مكن الله ليوسف في الأرض: (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَاءُ وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ  وَلأَجْرُ الآَخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [يوسف: 56، 57].

والتمكين في الاصطلاح المرتبط بالحديث عن نهضة الأمة ونصرها هو رجوع الأمة إلى ما كانت عليه من السلطة والنفوذ والمكانة في دنيا الناس. وقد عرفه الشيخ الدكتور علي عبد الحليم، بقوله: (هو الهدف الأكبر لكل مفردات العمل من أجل الإسلام، فالدعوة بكل مراحلها وأهدافها ووسائلها، والحركة وكل ما يتصل بها من جهود وأعمال، والتنظيم، وما يستهدفه في الدعوة والحركة، والتربية بكل أبعادها وأنواعها وأهدافها ووسائلها بحيث لا يختلف على ذلك الهدف الأكبر أحد العاملين من أجل الإسلام، كل العاملين مهما اختلفت برامجهم - بشرط أن تكون هذه البرامج من العاملين نابعة من القرآن الكريم والسنَّة المطهرة، وليس فيها شيء مما يغضب الله - لا يستطيعون أن يختلفوا في أن التمكين لدين الله في الأرض هو الهدف الأكبر في كل عمل إسلامي (5)، حتى يكون سلطان الدين الإسلامي على كل دين، ونظام الحكم بهذا الدين على البشرية كلها وهذا التمكين يسبقه الاستخلاف والملك والسلطان، ويعقبه أمن بعد خوف) (6).

وعرفه الأستاذ محمد السيد محمد يوسف دراسة (التمكين) بقوله: (دراسة الأسباب التي أدت إلى زوال التمكين عن الأمة الإسلامية، والمقومات التي ترجع الأمة إلى التمكين، والعوائق التي تعترض العمل للتمكين، دراسة طبيعة الطريق إلى التمكين، وكذلك المبشرات على هذا الطريق، وذلك كله في ضوء القرآن الكريم مع الاستعانة بأحاديث النبي العظيم) (7).

وعرفه الأستاذ فتحي يكن بقوله: (بلوغ حال من النصر، وامتلاك قدر من القوة، وحيازة شيء من السلطة والسلطان، وتأييد الجماهير والأنصار والأتباع، وهو لون من ألوان الترسيخ في الأرض، وعلو الشأن) (8.

ودلت الكثير من الآيات القرآنية على هذه المعاني والتعريفات المذكورة، قال تعالى: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ)[غافر: 51]. وقال سبحانه: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم: 47]. وقال تعالى: (إِن تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) [محمد:7]. وقال تعالى: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ  إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ  وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) [الصافات: 171- 173]. إن هذه الآيات وأمثالها تشير إلى نصر الله وإعزاز أهل الإيمان ممن يحرصون على الدعوة ويتحملون المشاق في سبيلها سواء كان الداعية رسولاً كريمًا أو أحد المؤمنين، وهذا الإعزاز والانتصار والتمكين يكون في الحياة الدنيا قبل الآخرة. وإن النصر والتمكين للمؤمنين له وجوه عدة، وصور متنوعة من أهمها: تبليغ الرسالة، وهزيمة الأعداء، وإقامة الدولة.

 

المراجع والمصادر:

(1) انظر: مختار الصحاح لأبي محمد الرازي، ص 635.

(2) انظر: لسان العرب (ج13، فصل النون، باب مكن ص414).

(3) نفس المصدر، (ج13، فصل النون، باب مكن ص414).

(4) نفس المصدر السابق، ص415.

(5) انظر: 192- فقه المسئولية، د. علي عبد الحليم محمود، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة، الطبعة الأولى 1415هـ، 1995م، ص358.

(6) انظر: 190- فقه الدعوة إلى الله, د. علي عبد الحليم محمود، دار الوفاء، مصر، طبعة 1410هـ، 1990م، ص 2/713، 714.

(7) انظر: التمكين للأمة الإسلامية في ضوء القرآن الكريم، لمحمد السيد محمد يوسف، الطبعة الأولى 1418هـ، 1997م، دار السلام بالقاهرة، ص13.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022