الإيمان بالقدر يقضي على كثير من الأمراض التي تعصف بالمجتمعات، وتزرع الأحقاد بين المؤمنين، وذلك مثل رذيلة الحسد؛ فالمؤمن لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله؛ لأنه هو الذي رزقهم وقدر لهم ذلك، وهو يعلم أنه حين يحسد غيره إنما يعترض على المقدور.
وهكذا، فالمؤمن يسعى لعمل الخير، ويحب للناس ما يحب لنفسه، فإن وصل إلى ما يصبو إليه حمد الله وشكره على نعمه، وإن لم يصل إلى شيء من ذلك صبر ولم يجزع، ولم يحقد على غيره ممن نال من الفضل ما لم ينله؛ لأن الله هو الذي يقسم الأرزاق فيعطي ويمنع، وكل ذلك ابتلاء وامتحان منه، سبحانه وتعالى، لخلقه.
قال ابن سيرين: ما حسدتُ أحدا على شيء من أمور الدنيا، لأنه إن كان- أي هذا الرجل- من أهل الجنة، فكيف أحسده على شيء من أمر الدنيا وهو مصيره إلى الجنة، وإن كان- هذا الرجل- من أهل النار فكيف أحسده على شيء من أمور الدنيا، وهو يصير إلى النار.
فالحسد يحرق صاحبه، والمحسود قد يُصاب بالعين إن كانت العين خبيثة؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "العين حق، ولو كان شيء سابق القدر، سبقته العين".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانا".
وعلاج الحسد بالرضا بالقضاء والقدر، وتارة بالزهد في الدنيا، وتارة بما يتعلق بتلك النعم من هموم الدنيا وحساب الآخرة، فيتسلى المؤمن بذلك، ولا يعمل بمقتضى ما في النفس أصلا ولا ينطق، فإذا فعل ذلك لم يضره ما وضع في جِبِلته.
يعني: إذا لم يحول الذي في نفسه إلى كلمات حاقدة حاسدة، أو إلى أفعال حاقدة حاسدة، لا يضره ما تحدث به النفس أحيانا، فالنفس قد جبلت على مثل هذا.
فالذي يؤمن بالقدر يحمل قلبا نظيفا، طاهرا من الغل والحقد والحسد والغش والضغينة لإخوانه، لأنه إن نظر إلى أخ من إخوانه ووجده في نعمة فهو يعلم يقينا أن الذي أنعم عليه بهذا هو الله، فهو يحب لأخيه النعمة، ويتضرع إلى الله، سبحانه وتعالى، الذي رزق أخاه أن يرزقه بما رزق أخاه.
فأمراض القلب كلها هنا لا تداوى إلا بالإيمان بالله، سبحانه وتعالى، والمؤمن بالقدر يعلم بأن الله يعطي ويمنع لحكمه، فإن من العباد من لا ينفعه إلا الغنى، ولو أفقره الله لأفسده ذلك، ومن العباد من لا يُصلحه إلا الفقر، ولو أغناه الله لأفسده ذلك، ومن العباد من لا يصلحه إلا الصحة، ولو أسقمه الله لأفسده ذلك، ومن العباد من لا يصلحه إلا المرض ولو صح لأفسده ذلك.
فلا يوجد شيء في الكون بدون حكمة وبغير حكمة، فالله هو الحكيم الخبير، سواء علمنا الحكمة أم جهلناها، فالله، جل وعلا، يقدر بحكمة وعلم.