(قدرة أبي بكر الصديق على الإقناع وتعامله مع النفوس في اجتماع سقيفة بني ساعدة)
الحلقة: 14
بقلم: د.علي محمد الصلابي
ربيع الآخر 1443 ه/ نوفمبر 2021
استطاع أبو بكر أن يدخل في نفوس الأنصار فيقنعهم بما راه هو الحق، من غير أن يُعرِّض المسلمين للفتنة، فأثنى على الأنصار ببيان ما جاء في فضلهم من الكتاب والسنة، والثناء على المخالف منهج إسلامي، يقصد منه إنصاف المخالف، وامتصاص غضبه، وانتزاع بواعث الأثرة والأنانية في نفسه ليكون مهيّأ لقبول الحق إذا تبين له، وقد كان في هدي النبي صلى الله عليه وسلم الكثير من الأمثلة التي تدل على ذلك، ثم توصل أبو بكر من ذلك إلى أنّ أفضلهم وإن كان كبيراً لا يعني أحقيتهم في الخلافة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نص على أن المهاجرين من قريش هم المقدّمون في هذا الأمر.
وقد ذكر ابن العربي المالكي أن أبا بكر استدل على أن أمر الخلافة في قريش بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأنصار خيراً، وأن يقبلوا من محسنهم، ويتجاوزوا عن مسيئهم، ومما احتج به أبو بكر على الأنصار قوله: إن الله سمانا «الصادقين» وسمّاكم «المفلحين» إشارة إلى قوله تعالى: ِ {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ *وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ *}[الحشر: 8 ـ 9].
وقد أمركم أن تكونوا معنا حيثما كنا، فقال: َ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ *} [التوبة:119] .
إلى غير ذلك من الأقوال المصيبة، والأدلة القوية؛ فتذكرت الأنصار ذلك، وانقادت إليه.
وبين الصديق في خطابه أن مؤهلات القوم الذين يرشحون للخلافة أن يكونوا من يدين لهم العرب بالسيادة، وتستقر بهم الأمور، حتى لا تحدث الفتن فيما إذا تولى غيرهم، وأبان أن العرب لا يعترفون بالسيادة إلا للمسلمين من قريش؛ لكون النبي صلى الله عليه وسلم منهم، ولما استقر في أذهان العرب من تعظيمهم واحترامهم.
وبهذه الكلمات النيرة التي قالها الصديق اقتنع الأنصار بأن يكونوا وزراء معينين، وجنوداً مخلصين، كما كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وبذلك توحد صف المسلمين.
التنافس بين المرشحين:
رأى أبو بكر الصديق أن يرشح كلاً من عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح، فعمر من المحدثين الملهمين بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما أبو عبيدة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لكل أمة أمين، وأمين، هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح».
ثم برز مرشح اخر قدم نفسه، وهو من الأنصار، وهو الحباب بن المنذر رضي الله عنه، ويبدو أنه له فهم اخر، وهو من عُرف بـ(ذي الرأي)، فقدم نفسه في حملة إعلامية أمام الجميع، بأنه صاحب الرأي والمشورة، وهو الجواد والكريم، بقوله: أنا جُذيلها المحك وعُذيقها المرجَّب، وقدم مقترحاً جديداً بقوله: منا أمير ومنكم أمير، ولكن هذا المبدأ «منا أمير ومنكم أمير» رُفض، لأن ذلك ليس من أصول السياسة الإسلامية التي أقرت منذ البداية بوجود رئيس واحد على هرم السلطة.
وأوضح عمر رضي الله عنه أن إقامة أميرين بمثابة: وضع قوة في مواجهة قوة أخرى، مما يفضي حتماً إلى التنازع، وقال: هيهات أن يجتمع اثنان في قرن. سيفان في غمد واحد لا يصطلحان وتوحدت وجهات النظر بعد نقاش وحوار، ووضعت الرئاسة في محلها الصحيح.
يمكنكم تحميل كتاب التداول على السلطة التنفيذية من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي