(ترشيح أبي بكر رضي الله عنه لرئاسة الدولة)
الحلقة: 15
بقلم: د.علي محمد الصلابي
ربيع الآخر 1443 ه/ ديسمبر 2021
وجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قد ان الأوان لتقديم مقترح لا يختلف فيه اثنان من الصحابة، شخص له من الامتيازات والمناقب والشمائل، ما لا يعد ولا يحصى، فقدّم أبا بكر الصديق وقال له: ابسط يدك نبايعك. فلما جاء عمر وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهما ليبايعا أبا بكر الصديق، سبقهم صحابي من الأنصار هو بشير بن سعد الخزرجي رضي الله عنه، وكان موقفاً نبيلاً منه، فبايعه ـ رضي الله عنه ـ المهاجرون، ثم الأنصار، وحسم الأمر لأبي بكر رضي الله عنه، وكانت هذه البيعة تمثل بيعة أهل الحل والعقد في الأمة.
وبعد أن بايع أهل الحل والعقد وأهل الشورى في الدولة أبا بكر الصديق رضي الله عنه كرئيس للدولة؛ لم يكتف عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك لما يمتلك من حكمة رجل السياسة والرأي، فجمع الناس في اليوم الثاني، وأعلن البيعة لأبي بكر، ورئيساً للدولة وفق المصطلحات السياسية المعاصرة، فبايعه الناس جميعاً، ولم يتخلف إلا من كان له عذر، وهم قلة يعدون على أصابع اليد، وقد بايعوا فيما بعد.
لقد كان في أبي بكر الصديق رضي الله عنه من المواصفات ما لم تكن في غيره، بحيث اجتمعت عليه الأمة بهذا الشكل، فلم يكن الأمر بالهين، فقد كان الناس من المهاجرين والأنصار وغيرهم بالأمس القريب تحت إمرة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بما كانت فيه من مواصفات هائلة، أكرمه الله سبحانه وتعالى بها من الوجوه كافة، فأي شخص في نظر الناس لا يمثل في القيمة والمكانة شيئاً أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس من السهل تجاوز هذا الشعور لدى الناس، ولكن على الرغم من كل ذلك فقد قبلوا بأبي بكر رضي الله عنه رئيساً لهم؛ لأنهم يعرفون قبل غيرهم ما كان يمتاز به أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن بقية الصحابة فضلاً عن بقية الناس، فقد تحلى بصفات وملكات وأخلاق نادرة أهّلته لرئاسة الدولة، منها:
أ ـ امتاز بأنه ظل طوال حياته بعد الإسلام متمتعاً بثقة رسول الله صلى الله عليه وسلم به، وشهادته له، واستخلافه إياه في القيام ببعض أركان الدين الأساسية، وفي مهمات الأمور، والصحبة في مناسبات خطرة دقيقة لا يستصحب فيها الإنسان إلا من يثق به كل الثقة، ويعتمد عليه كل الاعتماد.
ب ـ تميز بالتماسك والصمود في وجه الأعاصير والعواصف التي تكاد تعصف بجوهر الدين ولبه، وتحبط مساعي صاحب رسالته، وتنخلع لها قلوب كثير ممن قوي إيمانهم، وطالت صحبتهم، ولكن يثبت هذا الفرد في وجهها ثبوت الرجال الراسيات، ويمثل دور خلفاء الأنبياء الصادقين الراسخين، ويكشـف الغطـاء عن العيـون، وينفض الغبـار عن جوهر الدين وعقيدتـه الصحيحة.
ج ـ تميز في فهمه الدقيق للإسلام، ومعايشته له في حياة النبي صلى الله عليه وسلم على اختلاف أطواره وألوانه من سِلْم وحرب، وخوف وأمن، ووحدة واجتماع، وشدة ورخاء.
د ـ تميز بشدة غيرته على أصالة هذا الدين وبقائه على ما كان عليه في عهد نبيِّه غيرة أشد من غيرة الرجال على الأعراض والكرامات، والأزواج والأمهات، والبنين والبنات، ولا يحوله عن ذلك خوف أو طمع، أو تأويل أو عدم موافقة من أقرب الناس وأحبهم إليه.
هـ يكون دقيقاً كل الدقة وحريصاً أشد الحرص في تنفيذ رغبات الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يخلفه في أمته بعد وفاته، لا يحيد عن ذلك قيد شعرة، ولا يساوم فيه أحداً، ولا يخاف لومة لائم.
و ـ كان أبو بكر من الزاهدين في متاع الدنيا والتمتع به؛ زهداً لا يُتصور فوقه إلا عند إمامه وهاديه سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم، وألا يخطر بباله تأسيس الملك والدولة وتوسيعها لصالح عشيرته وورثته، كما اعتادت ذلك الأسر الملوكية الحاكمة في أقرب الدول والحكومات من جزيرة العرب كالروم والفرس، وقد اجتمعت هذه الصفات في سيدنا أبي بكر وغيرها، وتمثل بها في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته، واستمرت معه حتى توفاه الله تعالى، بحيث لا يسع منكر أن ينكره، أو مشكّك يشك في صحته، فقد تحقق بطريق البداهة والتواتر.
لقد تبين للدارسين أن تعيين الخليفة فرض على المسلمين، يرعى شؤون الأمة، ويقيم الحدود، ويعمل على نشر الدعوة الإسلامية، وعلى حماية الدين والأمة بالجهاد، وعلى تطبيق الشريعة، وحماية حقوق الناس، ورفع المظالم، وتوفير الحاجات الضرورية لكل فرد، وهذا ثابت بالقرآن والسنة والإجماع كما مرّ معنا.
يمكنكم تحميل كتاب التداول على السلطة التنفيذية من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي