(هل رشح الأنصار سعد بن عبادة للخلافة؟)
الحلقة: 13
بقلم: د.علي محمد الصلابي
ربيع الآخر 1443 ه/ نوفمبر 2021
كان سعد بن عبادة رضي الله عنه سيد الخزرج، وأحد الأشراف الأمراء في الجاهلية والإسلام، وكان يلقب في الجاهلية بالكامل لمعرفته الكتابة، والرمي، والسباحة.
وكان الأنصار قد هيؤوا سعد بن عبادة رضي الله عليه وسلم ليولوه الأمر، وهم يعتقدون أنه الأصلح لرئاسة الأمة الإسلامية بعد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، أو في خدمة دولة الإسلام بشكل عام، وها هي فرصة الأمر بأعلى درجات المعروف، وهو الحكم بما أنزل الله مواتيه، ولقد كانت لهم أسبابهم المنطقية، فقد اشتمل تاريخ سعد بن عبادة رضي الله عنه.
أ ـ جاء في أسد الغابة في معرفة الصحابة للجزري: وكان نقيب بني ساعدة، وشهد بدراً ـ عند بعض رواة السير ـ وكان سيداً جواداً، وهو صاحب راية الأنصار في المشاهد كلها، وكان وجيهاً في الأنصار، ذا رياسة وسيادة، يعترف قومه له بها، ولأهله في الجود أخبار حسنة.
ب ـ إنه كان من أوائل من أسلم من الأنصار، وقد شهد بيعة العقبة الكبرى، وكان نقيباً من الاثني عشر نقيباً، وكان ممن أمسكت به قريش، فأسرته بعد البيعة، وضربوه، وعذبوه، ولكن الله نجاه منهم.
ج ـ موقفه المشرف يوم غزوة الخندق «الأحزاب» حين استشاره رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وسعد بن معاذ رضي الله عنه بأن يعطى ثلث ثمار المدينة لغطفان مقابل أن ينسحبوا من قريش، ويعودوا إلى ديارهم، فكان له رضي الله عنه فهم وكلام جميل؛ بأن غطفان وغيرهم كانوا لا يطمعون منهم بثمرة واحدة، وكانوا على جاهليتهم إلا كرماً منهم أو بيعاً، فكيف وقد أعزهم الله بالإسلام، وكان رأيهم ليس لديهم لغطفان إلا القتال.
د ـ حامل راية الأنصار في غزوة بني المصطلق، وفي غزوة خيبر، وفي فتح مكة.
هـ له مكانة خاصة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لهذا كان يسميه «أخي»، فكان يخصه بزيارات خاصة في بيته، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه قال: كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من الأنصار، فسلم عليه، ثم أدبر الأنصاري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أخا الأنصار كيف أخي سعد بن عبادة»؟
فقال: صالح.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يعوده منكم»؟
فقام، وقمنا معه، ونحن بضعة عشر، ما علينا نعال، ولا خفاف، ولا قلانس، ولا قمص نمشي في تلك السباخ حتى جئناه، فاستأخر قومه من حوله، حتى دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين معه.
و ـ التزامه الأدبي مع قرابته، ووفاؤه اللافت لهم، ولاسيما أمه، فقد كان أصيلاً باراً بوالديه، فحين ماتت أمه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله إن أم سعد ماتت، فأي الصدقة أفضل؟ قال: «الماء»، قال: فحفر بئراً، وقال: هذه لأم سعد.
ز ـ تكليفه من قبل النبي محمد صلى الله عليه وسلم ببعض المهام الخاصة، ومن ذلك:
_خ اختاره صلى الله عليه وسلم ضمن الوفد الذي أرسل للتأكد من خيانة بني قريظة، وذلك أثناء غزوة الخندق، وأتم مع الفريق الذي معه المهمة على أكمل وجه.
_خ استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثمئة من قومه يحرسون المدينة عند خروجه صلى الله عليه وسلم لغزوة الغابة لاسترداد إبل المسلمين اللقاح؛ التي أغار عليها عيينة بن حصن الفزاري في خيل لغطفان، وبذلك يكون تقديم الأنصار لسعد بن عبادة لتاريخه المشرف، وجهوده في خدمة الإسلام، وقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن الأنصار وسعد بن عبادة بعد حجج الصديق اقتنعوا برأيه، وبايعوه جميعاً بالخلافة في أعقاب النقاش الذي دار في سقيفة بني ساعدة، إذ أنه نزل عن مقامه الأول في دعوى الإمارة، وأذعن للصديق بالخلافة، وكان ابن عمه بشير بن سعد الأنصاري أول من بايع الصديق رضي الله عنه في اجتماع السقيفة، ولم يثبت النقل الصحيح أية أزمات لا بسيطة ولا خطيرة، ولم يثبت أي انقسام لأيّ مرشح يطمع في الخلافة، كما زعم بعض كتاب التاريخ، ولكن الأخوة الإسلامية ظلت كما هي، بل ازدادت توثقاً كما يثبت ذلك النقل الصحيح، ولم يثبت
النقل الصحيح تامراً حدث بين أبي بكر وعمر وأبي عبيدة لاحتكار الحكم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم كانوا أخشى لله، وأتقى من أن يفعلوا ذلك، وقد حاول بعض الكتاب من المؤرخين أصحاب الأهواء أن يجعلوا من سعد بن عبادة منافساً للمهاجرين يسعى للخلافة بِشَرَهٍ، ويدبر لها المؤامرات، ويستعمل في الوصول إليها كل أساليب التفرقة بين المسلمين، هذا الرجل صاحب الماضي المجيد في خدمة الإسلام والصحبة الصادقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يعقل ولم يثبت أنه كان يريد أن يحيي العصبية الجاهلية في مؤتمر السقيفة؛ لكي يحصل في غمار هذه الفرقة على منصب الخلافة، كما أنه لم يثبت ولم يصح ما ورد في بعض المراجع من أنه ـ بعد بيعة أبي بكر ـ كان لا يصلي بصلاتهم، ولا يفيض في الحج بإفاضتهم، كأنما سعد بن عبادة انفصل عن جماعة المسلمين.
فهذا باطل، ومحض افتراء، فقد ثبت من خلال الروايات الصحيحة أن سعداً بايع أبا بكر، فعندما تكلم أبو بكر يوم السقيفة، ذكر فضل الأنصار وقال: ولقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو سلك الناس وادياً، وسلكت الأنصار وادياً أو شعباً ؛ لسلكت وادي الأنصار أو شعب الأنصار».
ثمّ ذكـر سعد بن عبادة بقول فصل، وحجة لا ترد، فقال: ولقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأنت قاعد: «قريش ولاة هذا الأمر، فبر الناس تبع لبرِّهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم».
قال سعد: صدقت، نحن الوزراء وأنتم الأمراء.، فتتابع القوم على البيعة، وبايع سعد.
وبهذا تثبت بيعة سعد بن عبادة، وبها يتحقق إجماع الأنصار على بيعة أبي بكر، ولا يعود أي معنى للترويح لرواية باطلة، بل سيكون ذلك مناقضاً للواقع، واتهاماً خطيراً أن ينسب لسيد الأنصار العمل على شق عصا المسلمين، والتنكر لكل ما قدمه من نصرة وجهاد وإيثار للمهاجرين، والطعن بإسلامه من خلال ما ينسب إليه من قول: لا أبايعكم حتى أرميكم بما في كنانتي، وأخضب سنان رمحي، وأضرب بسيفي، فكان لا يصلي بصلاتهم، ولا يجمِّع بجماعتهم، ولا يقضي بقضائهم، ولا يفيض بإفاضتهم، أي: في الحج.
إن هذه الرواية التي استُغِلَّت للطعن بوحدة المهاجرين، والأنصار، وصدق أخوتهم؛ ما هي إلا رواية باطلة للأسباب التالية: أن الراوي صاحب هوى، وهو «إخباري تالف لا يوثق به» ، ولاسيما في المسائل الخلافية.
قال الذهبي عن هذه الرواية: وإسنادها كما ترى، أي: في غاية الضعف، أما متنها فهو يناقض سيرة سعد بن عبادة وما في عنقه من بيعة على السمع والطاعة، ولما روي عنه من فضائل.
يمكنكم تحميل كتاب التداول على السلطة التنفيذية من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي