الخميس

1446-11-03

|

2025-5-1

أسباب عذاب القبر(1)

الحلقة: الحادية عشر

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

ذو القعدة 1441 ه/ يونيو 2020

ما الأسباب التي يُعذَّب بها أصحابُ القبور ؟ الجواب من وجهين، مجمل ومفصل :
أما المجمل: فإنّهم يُعذَّبون على جهلهم بالله، وإضاعتهم لأمره، وارتكابهم لمعاصيه، فلا يعذِّبُ الله روحاً عرفتْه، وأحبتْه، وامتثلتْ أمره، واجتنبتْ نهيه، ولا بدناً كانت فيه أبداً، فإنّ عذابَ القبرِ وعذاب الآخرة أثرُ غضبِ الله وسخطه على عبده، فَمَنْ أغضبه وأسخطه في هـذه الدار، ثم لم يتبْ، ومات على ذلك، كان له من عذابِ البرزخِ بقدر غضبَ اللهِ وسخط عليه، فمستقلٌّ ومستكثِرٌ، ومصدّق ومكذّب .
وأما الجواب المفصل: فقد أخبر النبيُّ (ﷺ) عن الرجلينِ اللذين راهما يعذّبان في قبريهما يمشي أحدُهما بالنميمة بين الناس، ويترك الآخر الاستبراءَ من البولِ، فعذابُ القبرِ من معاصي القلب، والعين، والأذن، والفم، واللسان، والبطن، والفرج، واليد، والرجل، والبدن كله .
فالنمّام، والكذّاب، والمغتاب، وشاهِدُ الزور، وقاذِفُ المحصن، والداعي إلى البدعة، والقائل على اللهِ ورسوله (ﷺ) ما لا عَلِمَ له، والمجازِفُ في كلامه، واكلُ الربا، واكلُ أموال اليتامى ظلماً، واكلُ السُّحتِ من الرشوة، واكلُ مال أخيه المسلم بغيرِ حقٍّ أو مالِ المعاهَدِ، وشاربُ المسكر، واكلُ لقمة الشجرة الملعونة ( الحشيش )، والزَّاني، واللوطي، والسارق، والخائن، والغادر، والمخادع، والماكر، واخذ الربا، ومعطيه، وكاتبه، وشاهداه، والمحلِّل، والمحلَّل له، والمحتالُ على إسقاطِ فرائض الله، وارتكابِ محارمه، ومؤذي المسلمين، ومتتبع عوراتهم، والحاكم بغيرِ ما أنزل الله، والمفتي بخلاف ما شرعه الله، والمعينُ على الإثم والعدوان، وقاتِلُ النفس التي حرّم الله، والمُلْحِدُ في حرم الله، والمعطِّلُ لحقائق أسماء الله وصفاته، الملحِدُ فيها، والمقدِّمُ رأيه وذوقه وسياسته على سنة رسول الله (ﷺ)، والنائحةُ، والمستمع إليها، ونوّاحي جهنم، وهم المغنّون الغناءَ الذي حرّمه الله ورسوله (ﷺ)، والمستمِعُ إليهم، والذينَ يبنون المساجدَ على القبور، يوقدون عليها القناديل والسُّرج، والمطففون في استيفاء ما لهم إذا أخذوا، وهَضْمِ ما عليهم إذا بذلوه، والجبّارون، والمتكبّرون، والمراؤون، والهمّازون، واللّمازون، والطاعنون على السلف، والذينَ يأتون الكهنةَ والمنجّمين والعرّافين، فيسألونهم، ويصدّقونهم، وأعوانُ الظلمةِ الذين باعوا اخرتهم بدنيا غيرهم، والذي يفتخرُ بالمعصية، ويتكثّر بها بين إخوانه وأضرابه وهو المجاهر، والذي لا تأمنه على مالِكَ وحرمتك، والفاحشُ اللسانِ البذيءُ الذي تركه الخلق اتقاء شرّه وفحشه، والذي يؤخِّرُ الصلاةَ إلى اخر وقتها، وينقرها، ولا يذكر الله فيها إلا قليلاً، ولا يؤدّي زكاةَ ماله طيّبةً بها نفسُه، ولا يحجُّ مع قدرته على الحجِّ، ولا يؤدّي الحقوقَ مع قدرته عليها، ولا يتورّع مِنْ لحظةٍ ولا لفظةٍ ولا أكلةٍ ولا خطوةٍ، ولا يبالي بما حَصّل المال من حلالٍ أو حرامٍ، ولا يصلُ رَحِمَه، ولا يرحمُ المسكينَ، ولا الأرملةَ، ولا اليتيمَ، ولا الحيوانَ البهيمَ، بل يدعُّ اليتيمَ، ولا يحضُّ على طعام المسكين، ويرائي العالمين، ويمنعُ الماعونَ، ويشتغلُ بعيوب الناس عن عيبه، وبذنوبهم عن ذَنْبه، فكلُّ هـؤلاء وأمثالهم يُعذبون في قبورهم بهـذه الجرائم، بحسب كثرتها وقلتها، وصغيرها وكبيرها، ولمّا كان أكثرُ الناس كذلك، كان أكثرُ أصحاب القبور معذّبين، والفائز منهم قليل، فظواهِرُ القبور ترابٌ، وبواطنها حسراتٌ وعذاب . . . وظواهرها بالتراب والحجارة المنقوشةٌ مبنيّاتٌ، وفي باطنها الدواهي والبليّات تغلي بالحسرات، كما تغلى القبورُ بما فيها، ويحقُّ لها وقد حيل بينها وبين شهواتها وأمانيها .
وهـذه بعض أسباب عذاب القبر :
1 ـ الشرك بالله والكفر به:
من أعظم أسباب عذاب القبر الإشراكُ بالله، قال تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلاَئِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ *﴾ [الأنعام: 93] .
2ـ النفاق:
قال تعالى: ﴿وَمِمَنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ *﴾ [التوبة: 101] سنعذّبهم مرّتين: إحداهما في الدنيا، والآخرى هي عذاب القبر .
3 ـ النميمةُ وعدم الاستتار من البول:
عن ابن عباس رضي الله عنهما، مرَّ النبيُّ (ﷺ) على قبرين فقال: «إنّهما ليعذّبانِ، وما يعذّبانِ في كبيرٍ»، ثم قال: «بلى، أمّا أحدُهما فكان يسعى بالنميمةِ، وأما أحدُهما فكان لا يَسْتَتِرُ مِنْ بوله» . قال: ثم أخذَ عوداً رطباً فكسره باثنتين، ثم غرز كلَّ واحدٍ منهما على قبرٍ، ثم قال: « لعلّه يخفَّفُ عنهما ما لم يَيْبَسَا ».
4 ـ الغُلول:
عن أبي رافع رضي الله عنه قال: مررتُ مع رسولِ اللهِ (ﷺ) بالبقيع، فقال: « أُفٍّ لكَ، أفٍّ لَك » فظننتُ أنّه يريدني فقلتُ: يا رسول الله أحدثتُ شيئاً ؟ قال: « وما ذاك؟ » قلت: أفَّفتَ منّي . قال: « لا، ولكنّ صاحبَ هـذا القبرِ فلانٌ، بعثتُه ساعياً على بني فلانٍ فغلّ درعاً، فَدُرِّع الان مثلَها مِنَ النّارِ».
5 ـ جَرُّ الإزارِ من الخيلاء:
عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ (ﷺ) قال:
« بينما رجلٌ يجرُّ إزاره من الخيلاءِ خُسِفَ به، فهو يُجَلْجِلُ في الأرضِ إلى يوم القيامة »، وإنما خُصّ الإزارُ بالذكر، لأنّه هو الذي يظهرُ به الخيلاء غالباً .
6 ـ حبسُ المدين في قبره بدينه:
روى سعد بن الأطول رضي الله عنه، أنّ أخاه ماتَ، وترك ثلاثمئة درهم وترك عيالاً، قال: فأردتُ أن أنفقَها على عياله، قال: فقال لي نبيُّ الله (ﷺ): «إنّ أخاكَ محبوسٌ بِدَيْنِار، فَاذْهَبْ فاقضِ عنه» فذهبتُ فقضيتُ عنه ثم جئتُ، قلت: يا رسول الله، قد قضيتُ عنه إلا دينارينِ ادّعتْهما امرأةٌ، وليست لها بينةٌ، قال: « أعطِها فإنَّها محقَّةٌ » وفي رواية « صادقة ».


يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب:
الإيمان باليوم الآخر
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book173.pdf

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022