أسباب عذاب القبر(2)
الحلقة: الثانية عشر
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ذو القعدة 1441 ه/ يوليو 2020
1 ـ عقوبةُ الاخذِ بكتاب الله، ثم رفضه، والنائم عن الصلاة المكتوبة:
فقد جاء في حديث سَمُرةَ بن جُنْدب رضي الله عنه الطويل جواب الملكين عن سؤال النبي (ﷺ) عمّا رأى في ليلته معهما، فقالا له: « أمّا الرَّجُلُ الأوّلُ الذي أتيت عليه يُثْلَغُ رأسُه بالحَجَرِ فإنّه الرجلُ يأْخُذُ بالقرآن فيرفُضُهُ، وينامُ عن الصلاةِ المكتوبة » .
فالجزاءُ من جنس العمل، فلأنّ هـذا الرجلَ رفضَ القرآن، وجعلَه وراءَ ظهره، وتثاقَل عنه، وكذلك عن الصلاة المكتوبة، فلم يصلِّها مع عبادِ الله في جماعة المسلمين، بل ثقل رأسه على الفراش، فجزاؤه أن يُثْلَغَ ويرضَخَ هـذا الرأسُ الذي هـذا فعلُه وشأنه، وهـكذا يعذَّبُ إلى قيامِ الساعةِ، فقد جاء في بعض الروياتِ: « . . . فيفعلُ به إلى يومِ القيامةِ » .
2 ـ عقوبةُ الكذّاب:
وفي حديث سمرة أيضاً ما أجابَ الملكانِ عن عقوبة ذلك الرجل الذي يُشَرْشَرُ، ويمزَّقُ، ويقطّعُ شِدْقُه وعينُه ومِنْخَرُه إلى الخلفِ، إنّه الكذَّابُ الذي يفشو كذبه، وينتشر على الملأ، حيث قالا للنبيِّ (ﷺ): «..وأمّا الرجلُ الذي أتيتَ عليه يُشَرْشِرُ شِدْقُه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فإنّه الرَّجُلُ يغدو من بيته فيكذِبُ الكذبةَ تبلغُ الافاق» فانظر إلى عقوبة هـذا الداء العضال والمرض الاجتماعي الذي يجب على المسلم تحاشيه، فإنّه من صفات المنافقين عياذاً بالله من كلِّ سوءٍ .
3 ـ عقوبةُ الزّناة والزواني:
في حديث سمرة أيضاً المتقدِّمِ جاء فيه: «...فانطقنا، فأتينا على مثل التنّورِ » قال: فأحْسِبُ أنّه كان يقول: « فإذا فيه لغطٌ وأصواتٌ قال: فاطّلعنا فيه، فإذا فيه رجالٌ ونساءٌ عراةٌ، وإذا هم يأتيهم لهبٌ من أسفلِ منهم، إذا أتاهم ذلك اللهبُ ضَوْضَوْا» أي صاحوا. وفي آخر الحديث: «وأمّا الرجالُ والنساءُ العراةُ الذين هم في مثل بناءِ التنور، فإنّهم الزُناةُ والزواني».
ومناسبة العري لهم لاستحقاقهم أن يفضحوا، لأنّ عادتهم أن يستتروا في الخلوة، فعوقبوا بالهتك، والحكمةُ في إتيان العذاب من تحتهم كونُ جنايتهم من أعضائهم السفلى .
4 ـ عقُوبة اكل الربا:
وفي الحديث السابق أيضاً: «... فانطلقنا فأتينا على نهرٍ حسبتُ أنّه كانَ يقول أحمر مثل الدم، وإذا في النهرِ رجلٌ سابحٌ يَسْبَحُ، وإذا على شطِّ النهرِ رَجُلٌ قد جمع عِنْدَه حجارةً كثيرةً، وإذا ذلك السابحُ يَسْبَح ما يَسْبَحُ، ثم يأتي ذلك الذي قد جمعَ عندَهُ الحجارةَ، فَيَفْغَرُ. (أي يفتح ) له فاه، فيُلْقِمَه حَجَراَ، فينطلِقُ يسبحُ ثم يرجعُ إليه، كلّما رجعَ إليه فغرَ فاهُ، فألقمه حَجَراً...» الحديث، وفي اخر الحديث: « وأمّا الرجلُ الذي أتيتَ عليه يسبحُ في النهرِ ويُلْقَمُ الحجرُ فإنّه اكلُ الربا ».
5 ـ الإفطارُ في رمضان من غير عُذرٍ:
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال سمعتُ رسول الله (ﷺ) يقول: « بينما أنا نائمٌ أتاني رجلانِ، فأخذا بضبعيَّ، فأتياني جبلاً وعراً، فقالا: اصعد، فقلتُ: إنِّي لا أطيقُه، فقالا: إنا سنسهّله لك، فصعدتُ حتى إذا كنتُ في سواء الجبلِ إذا بأصواتٍ شديدةٍ، قلتُ: ما هـذه الأصواتُ؟ قالوا: هـذا عواءُ أهلِ النارِ، ثم انطلقَ بي، فإذا أنا بقومٍ معلّقين بعراقيبهم، مشققة أشداقُهم دماً، قال: قلت: مَنْ هـؤلاء؟ قال: الذين يُفْطِرونَ قبل تحلّة صومهم».
6 ـ مَنْ حَرَمَتْ رضيعَها من ثديها:
إذا عمدت الأم إلى حرمان ابنها مِنْ هـذا اللبن الذي خلفه الله تعالى في ثديها، وأعطته بدلاً منه لبناً صناعياً لا يقومُ مقامه، ولا يماثله . وهل يصنع الناس كما يصنع بهم؟ فإنَّ النتيجة أنَّ الوليدَ سينشأُ ضعيفاً، وتعاقب الأم على ذلك في قبرِها بعد موتها، ففي حديث أبي أمامة: «... ثم انطُلِقَ بي، فإذا أنا بنساءٍ تَنْهَشُ ثُدْيُهنَّ الحياتُ قلت: ما بالُ هـؤلاءِ؟ قال: هـؤلاء يمنعنَ أولادهن ألبانهن » .
7 ـ حبس الحيوان وتعذيبه:
ففي حديثِ جابرٍ في صلاة الكسوف قال النبيُّ(ﷺ): «... وحتى رأيتُ فيها صاحبة الهرّة التي ربطتْها، فلم تطِعْمها، ولم تَدَعْها تأكلُ مِنْ خَشَاشِ[(153)] الأرضِ، حتى ماتتْ جوعاً » .
8 ـ الذين يقولون ما لا يفعلون:
قال تعالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ *﴾ [البقرة: 44] .
وقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ *كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ *﴾ [الصف: 2 ـ 3] .
وقال رسول الله (ﷺ): « رأيتُ لَيْلَةَ أُسرِيَ بي رجالاً تُقْرَضُ شِفَاهُهُم بِمَقارِيْضَ مِنْ نارٍ، فَقُلْتٌ: مَنْ هـؤلاءِ يا جِبْرِيْلُ ؟ فقالَ: الخطباءُ مِنْ أُمَّتِكَ، يأمُرُوْنَ النَّاسَ بِالبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ وَهُمْ يَتْلُوْنَ الكِتَابَ، أفلا تَعْقِلُوْنَ».
9 ـ النياحة على الميت:
قال (ﷺ):«الميّتُ يُعذَّبُ في قبرِهِ بما نِيْحَ عليه»[(156)] .
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله (ﷺ): «ما مِنْ مَيّتٍ يموتُ فيقومُ باكِيْهِم فيقولُ: واجبلاه، وَاسَنَدَاهُ، أَوْ نحو هـذا، إلاّ وُكِّلَ به ملكانِ يَلْهَزانِهِ: أهكَذَا كُنْتَ؟!». وهـذا محمولٌ على أنّه أوصاهم بذلك، أو علم أنّهم سينوحون عليه ثم لَمْ يَنْهَهُمْ، قال ابن المبارك: إذا كان ينهاهم في حياته ففعلوا شيئاً من ذلك بعدَ وفاته لم يكن عليه شيءٌ، والعذابُ عندَهم بمعنى العقاب .
10 ـ السرقة:
وأمّا عذابُ السارقِ في البرزخِ ففيه حديثُ رسول الله (ﷺ)، عن جابرٍ حيث قالَ رسولُ اللهِ: « ... وحتّى رأيتُ فيها صاحِبَ المِحْجَنِ يجرُّ قُصْبَهُ في النارِ، كان يسرقُ الحاجَّ بِمِحْجَنِهِ، فَإِنْ فُطِنَ له قال: إنّما تعلّق بِمِحْجَنِي، وإنْ غُفِلَ عنه ذهبَ بِهِ ».
11 ـ الإعراض عن ذكر الله:
قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى *﴾ [طـه: 124] وفسرتِ المعيشةُ الضَّنْكُ بعذاب القبر، ولا ريبَ أنّه من المعيشةِ الضنكِ، فالمعيشةُ الضنكُ لازمةٌ لمن أعرض عن ذكر الله الذي أنزله على رسوله (ﷺ) في دنياه، وفي البرزخ، وفي يوم معاده .والآية تتناول ما هو أعمُّ منه .
يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب:
الإيمان باليوم الآخر
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book173.pdf