في معنى لا حول ولا قوة إلا بالله وفضلها
الحلقة: الثانية عشر
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
شعبان 1441 ه/ أبريل 2020م
أولاً : معنى لا حول ولا قوة إلا بالله:
معنى الحول: الحركة والحيلة أي لا حركة ولا استطاعة ولا حيلة إلا بمشيئة الله تعالى.
وقيل: معناه لا حول في دفع شر ولا قوة في تحصيل خير إلا بالله.
وقيل: لا حول عن معصية الله إلا بعصمته ولا قوة على طاعته إلا بمعونته وحُكي هذا عن ابن مسعود رضي الله عنه وكله متقارب .
وقال الإمام الطحاوي في تفسيره لمعنى "لا حول ولا قوة إلا بالله": لا حيل ولا قوة لأحد على إقامة طاعة الله والثبات عليها إلا بتوفيق الله، وكل شئ يجري بمشيئة الله تعالى وعلمه وقضائه وقدره، غلبت مشيئته المشيئات كلها، وعكست إرادته الإرادات كلها، وغلب قضاؤه الحيل كلها يفعل ما يشاء وهو غير ظالم أبداً " لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ" (الأنبياء : 23) .
ولا شك أن معنى (لا حول ولا قوة إلا بالله) أوسع وأعم مما ذُكر، فلفظ الحول يتناول كل تحول من حال إلى حال، والقوة هي القدرة على ذلك التحول، فدلت هذه الكلمة العظيمة على أنه ليس للعالم العلوي والسفلي حركة وتحول من حال إلى حال ولا قدرة على ذلك إلا بالله.ومن الناس من يفسر ذلك بمعنى خاص فيقول لا حول من معصيته إلا بعصمته ولا قوة على طاعته إلا بمعونته.
والذي يدل عليه اللفظ، أن الحول لا يختص بالحول عن المعصية وكذلك القوة لا تختص بالقوة على الطاعة، بل لفظ الحول يعم كل تحول.. وكذلك لفظ القوة، قال تعالى: " اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً" (الروم : 54) .
ولفظ القوة لا يراد به ما كان في القدرة أكمل من غيره فهو قدرة أرجع من غيرها أو القدرة التامة ولفظ القوة قد يعم القوة التي في الجمادات بخلاف لفظ القدرة فلهذا كان المنفي بلفظ القوة أشمال وأكمل فإذا لم تكن قوة إلا به لم تكن قدرة إلا به بطريق الأولى وهذا باب واسع .
ولكلمة "لا حول ولا قوة إلا بالله" تأثير في دفع داء الهم والغم والحزن، بسبب ما فيها ـ من كمال التفويض والتبرئ من الحول والقوة إلا به وتسليم الأمر كله له وعدم منازعته في شئ منه وعموم ذلك لكل تحول من حال إلى حال في العالم العلوي والسفلي والقوة على ذلك التحول، وأن ذلك كله بالله وحده فلا يقوم لهذه الكلمة شيء. وفي الآثار أنه ما ينزل ملك من السماء ولا يصعد إليها إلا بلا حول ولا قوة إلا بالله، ولها تأثير عجيب في طرد الشيطان والله المستعان
ثانياً : لا حول ولا قوة إلا بالله، دليل على إثبات القدر .
وقد ذكر الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في صحيحه هذه الكلمة العظيمة في أبواب عدة من صحيحه، ومن ذلك: كتاب القدر ومعروف أن فقه الإمام البخاري كما يقال في تراجمه مما يدل على أنه ـ رحمه الله ـ ما وضعها في كتاب القدر إلا لدلالتها عليه .
إن كلمة لا حول ولا قوة إلا بالله دخلت من باب القدر لكونها تدل على مرتبة من مراتبه وهي المشيئة، فقد ذكرنا أن مراتب القدر أربع مراتب ومنها: الإيمان بمشيئة الله النافذة في خلقه وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فعندما يقول العبد "لا حول ولا قوة إلا بالله" يعتقد في قرارة نفسه أنه لا يستطيع التحول من أمر لآخر إلا إذا شاء الله له ذلك وقدره له، فلا ينصرف عن المعصية إلى الطاعة إلا بمشيئة الله تعالى، ولا ينصرف من المرض إلى الصحة إلا إذا كتب الله له الشفاء وشاء له، ولا يتحول من ضعف إلى قوة، ولا من ذلٍّ إلى عزٍ، ومن قلة إلى كثرة، ولا من جوع إلى شبع ولا من فقر إلى غنى، ولا من خوف إلى أمن، ولا من شرٍّ إلى خير إلا بمشيئة الله وإرادته، فلا يتحول ويتقلب من أي حال مهما كان إلى حال غيره إلا إذا شاء له الله ذلك، كما أنه ليس لعبد في نيل مطلوب والحصول على مرغوب أو دفع مرهوب إلا إن أعانه الله سبحانه وأمده بقوة منه، فالعبد، بقوله لهذه الكلمة يتبرأ من حوله وقوته، ويعتقد أن الحول والقوة بالله وحده فهو سبحانه مالك الملك وخالق، بيده أمور الخلق يتصرف بهم كيف يشاء ويصرّفهم حيث يشاء ويقلّب أحوالهم من حال إلى حال على حسب مشيئته وحكمته وإرادته لا مانع لما قضى ولا لما أعطى، ولا معطي لما منع بيده الملك وهو على كل شئ قدير .
ثالثاً: "لا حول ولا قوة إلا بالله " تضمنت معان عقدية عظيمة القدر، لمن فقهها غير دلالتها على القدر، منها:
1 ـ أنها كلمة استعانة بالله العظيم : ومن استعان بالله جل جلاله، فالله سبحانه يعينه على قضاء حوائجه، وجميع ما يصلحه.
والاستعانة بالله من أفضل العبادات وأجلّها وتعرف منزلتها وعظم شأنها من خلال سورة الفاتحة التي أمر الله سبحانه عباده أن يتعبدوه بتلاوتها يومياً مراراً، وذلك في قوله تعالى: " إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" فهذه الآية فيها إخلاص الاستعانة لله لأنه قدم ما حقه التأخير فأفاد حصر الاستعانة بالله وكذلك لا حول ولا قوة إلا بالله كلمة تحتوي على الإخلاص لله بالإستعانة فهي تدل على ما دلت عليه .
2ـ الإقرار بأنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الألوهية، فقائلها يقر ويعتقد بأن الله وحده المدبر بهذا الكون المتصرف بحكمته ومشيئته فلا يقع فيه شئ إلا بإذنه ومشيئته، كما أنه معترف بأن من كان هذا وصفه فهو بالطبع غنيًّ عن خلقه قائم بذاته متصف بصفات الكمال من القدرة والعظمة والقوة والعزة، ومن يعتقد هذا في خالقه كان عليه لزاماً أن يؤلهه ويعبده ويقصده ويلتجئ إليه ولا يرجو أحداً سواه، ولا يدعو أحداً إلا هو، لأنه بيده التصرف التام وله الملك وهو على كل شئ قدير .
3 ـ التوكل على الله وتفويض الأمور إليه، والاستسلام والإذعان له مع إظهار الذل والافتقار له سبحانه فهو الغني والعبد فقير إليه لا يملك من أمره شيئاً.
ويجدر التنبيه هنا على أمر يُخطئ به بعض الناس ألا وهو: استعمالهم هذه الكلمة في غير موضعها اللائث بها، ونجم ذلك عن عدم معرفة معناها ومحتواها فيجعلونها كلمة استرجاع لا كلمة استعانة بالله .
رابعاً: فضل "لا حول ولا قوة إلا بالله ":
فمما يدل على فضلها وعلو منزلتها، ومما يرغب في الإكثار من قولها باللسان وإمرارها على الجنان أمور:
1 ـ إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عنها بأنها كنز من كنوز الجنة:
فعن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فجعل الناس يجهرون بالتكبير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أيها الناس أربعوا على أنفسكم إنكم ليس تدعون أصم ولا غائباً، إنكم تدعون سميعاً قريباً وهو معكم، قال: وأنا خلفه وأنا أقول: قل، لا حول ولا قوة إلا بالله .
قال النووي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة: قال العلماء: سبب ذلك أنها كلمة استسلام وتفويض إلى الله تعالى واعتراف بالإذعان له وأنه صانع غيره ولا راد لأمره وأن العبد لا يملك شيئاً عن الأمر ومعنى الكفر هنا أنه ثواب مدخر في الجنة وهو ثواب نفيس كما أن الكنز أنفس أموالكم . والكنز مال مجتمع لا يحتاج إلى جمع وذلك أنها تتضمن التوكل والافتقار إلى الله تعالى ومعلوم أنه لا يكون شئ إلا بمشيئة الله وقدرته، وأن الخلق ليس منهم شئ إلا ما أحدثه الله فيهم .
وقول "لا حول ولا قوة إلابالله" يوجب الإعانة ولهذا سنها النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال المؤذن: حي على الصلاة، فيقول المجيب: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإذا قال: حي على الفلاح، قال المجيب "لا حول ولا قوة إلا بالله"، وقال المؤمن لصاحبه: "ولولا إذا دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة ألا بالله"، ولهذا يؤمر بهذا من يخاف العين على شئ فقوله: ما شاء الله، تقديره: ما شاء الله كان فلا يأمن، بل يؤمن بالقدر ويقول لا قوة إلا بالله .
2ـ ومن فضلها أن الله سبحانه يصدق قائلها ومن صدقه الله تعالى على ما يقول فليبشر بالخير بإذن الله ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إذا قال العبد: لا إله إلا الله والله أكبر صدقه ربه، قال: صدق عبدي لا إله إلا أنا وأنا وحدي، وإذا فال: لا إله إلآ الله وحده لا شريك له، صدقه ربه قال: قال صدق عبدي لا إله إلا أنا ولا شريك لي، وإذا قال: لا إله إلا الله له الملك وله الحمد قال: صدق عبدي، لا إله إلا أنا لي الملك ولي الحمد، وإذا قال: لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال: صدق عبدي لا حول ولا قوة إلا بي .
3 ـ من فضلها أن من قالها حين يخرج من بيته مع البسملة والتوكل على الله أنه يوفي ويُكفي ويُهدى، فعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا خرج من بيته فقال بسم الله وتوكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله فيقال له حسبك قد كفيت وهديت ووفيت فيلقى الشيطان شيطاناً آخر فيقول له كيف لك برجل قد كفي وهدي ووفي .
4 ـ ومن فضائلها أنها من الباقيات الصالحات ومن أحب الكلام إلى المولى جل جلاله قال الله تبارك وتعالى في محكم التنزيل " وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا" (الكهف : 46) . فقد ورد في تفسير هذه الآية عن جمع من الصحابة والتابعين أن الباقيات الصالحات هي سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وسئل ابن عمر رضي الله عنهما عن الباقيات الصالحات؟ فقال: لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: هي ذكر الله، قول لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، واستغفر الله، وصلى الله على رسول الله ,والقيام والصلاة والحج والصدقة والعتق والجهاد وأعمال الحسنات وهي الباقيات الصالحات التي تبقى لأهلها في الجنة ، وقد ورد في فضلهن أي الكلمات الباقيات الصالحات أنهن يكفرنَّ الذنوب، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما على الأرض رجل يقول: لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إلا كُفِّرت عنه ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر .
5 ـ ومن فضائلها أنها غراس الجنة فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به مر على إبراهيم عليه السلام فقال: من معك يا جبريل؟ فقال: هذا محمد، فقال له إبراهيم أأمُر أمتك فليكثروا من غراس الجنة فإن تربتها طيبة وأرضها واسعة، قال: وما غراس الجنة؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله .
يمكنكم تحميل سلسلة كتب الإيمان كتاب :
الإيمان بالقدر
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book96.pdf