أسباب الهداية (2)
الحلقة: السادسة عشر
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
رمضان 1441 ه/ أبريل 2020م
1 ـ الاعتصام بالله:
من بين الأسباب التي رتب الله سبحانه وتعالى عليها الهداية لعباده، حسب سنته تعالى في الهداية والإضلال: الاعتصام بالله وهو الامتناع بالله والالتجاء والفزع إليه والتوكل عليه في دفع شرور الكفار التي تؤدي بالمؤمنين إلى الضلال الذي يريده الكفار من المؤمنين عامّة في قوله:" وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ" (النساء: 89) . واليهود خاصة كما ورد في قوله:" قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ"(آل عمران : 99) .
فقد بين سبحانه وتعالى أن الاعتصام بالله من التمسك بدينه والتوكل هو العمدة في الهداية إلى الصراط المستقيم والعمدة في مباعدة الغواية، والوسيلة إلى الرشاد وطريق السداد . قال تعالى: " وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" (آل عمران : 101) . فقوله: " فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" جواب الشرط ولكونه ماضياً مع "قد" أفاد الكلام تحقق الهدى حتى كأنه حصل وأن الهداية حاصلة حسب سنته سبحانه لا محالة .
ونظراً لأهمية الاعتصام فقد جاءت عدة آيات في كتاب الله تدعو المؤمنين وتذكرهم بالاعتصام بالله وبعهده من ذلك قوله سبحانه وتعالى: " فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ" (الحج : 78) . وقوله تعالى: " وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ" (آل عمران : 103) .
2 ـ الاتّباع والطاعة:
ومن أسباب الهدى حسب سنته سبحانه وتعالى في الهداية والضلال الاتباع، وهو السير وفق الشرع ومقتضاه، واطراح كل شئ يخالف هدى الله سبحانه وتعالى، وطاعة الله في طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو المبلغ عن الله سبحانه وتعالى، وبهذا فإن الاتباع يشمل الالتزام بما ورد في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، من عقائد وأحكام وأوامر ونواه وآداب وأخلاق، وكل ما يرشد إليه كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فالاتباع ليس مجرد شعار يرفع، وإنما هو تحقيق معناه في قلب المسلم وجوارحه وأفكاره .
ونجد القرآن، والسنة المطهرة، يركزان على الاتباع ويعتبرانه مناط بالهداية، والطريق الموصلة إلى السعادة والنجاح والفلاح في الدنيا والآخرة. ومن أعظم الدلائل على ذلك أن الله سبحانه وتعالى قد بين أهمية الاتباع، وأثره في الوصول إلى الهدى وتجنب الضلال عندما خلق آدم وأنزله إلى الأرض، قبل أن يرسل أنبياءه ورسله،، فكان ذلك دليلاً حاسماً على ما للأتباع من أهمية ومكانة في الوصول إلى الهداية والنجاة . قال تعالى: " قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ" (البقرة: 38) . قال تعالى:" قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُ مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى" (طه: 123) .
وقد ربط الله عز وجل بين طاعته واتباع نبيه صلى الله عليه وسلم وبين الهداية فجعل الطاعة والاتباع سبباً للهداية والرشاد. قال تعالى:" قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّاحُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ" (النور: 54) . فأخبر جل ثناءه أن الهداية إلى المنهج القويم المؤدي إلى الفوز والفلاح في طاعة الرسول لا في غيرها، فإنه متعلق بالشرط فينتفي بانتفائه، وليس عليه إلا البلاغ والبيان .
وقال تعالى:" قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" (المائدة: 15 ـ 16) . بين سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة أن من أتبع كتاب الله وهو ما رضيه لعباده، فإن الله عز وجل يكافئه على ذلك بثلاثة أمور:
أولها: أنه يهدي من اتبعه سبل السلام التي يسلم بها في الدنيا والآخرة من كل ما يرديه ويشقيه، فاتباع هذا القرآن يسكب السلام في الحياة كلها، سلام الفرد سلام الجماعة، سلام العالم، سلام الضمير، سلام العقل، سلام الجوارح، سلام البيت، سلام الأسرة، سلام المجتمع، سلام البشر والإنسانية السلام مع الحياة ومع الكون، والسلام مع الله رب الكون والحياة والسلام الذي تجده البشرية ولم تجده إلا في هذا الدين وإلا في منهجه ونظامه وشريعته ومجتمعه الذي يقوم على عقيدته وشريعته حقاً إن الله يهدي بهذا الدين الذي رضيه طرق السلام كلها .
الثاني: أنه يخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه، أي يخرجهم من الكفر إلى نور الإيمان بتوفيقه وهدايته لهم ، لأن الجاهلية كلها ظلمات، ظلمة شبهات وخرافات، وحيرة وقلق وانقطاع عن الهدى، ووحشة واضطراب قيم.
الثالث: الهداية إلى الصراط المستقيم وهو الطريق الموصل إلى المقصد والغاية من الدين في أقرب وقت، لأنه طريق لا عوج فيه ولا انحراف، فيبطئ سالكه أو يضل في سيره، وقد جعل الله عز وجل اتباع رسوله فيما جاء به سواء كان مبيناً لمجمل القرآن، أو مقيداً لمطلقه، أو مخصصاً لعامه أو منشئاً لأحكام جديدة لم ترد في القرآن جعل ذلك سبباً من أسباب الهداية . قال تعالى: "قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" (الأعراف : 158) .
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن التمسك بسنته عصمة من الزيغ والضلال والفتن، فقال: فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة .
وقال تعالى على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم مبيناً أنه عليه الصلاة والسلام لا يتبع أهواء الكافرين، لأن في ذلك انحراف عن الصراط المستقيم وسبيل إلى الضلال: قال تعالى:" قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ" (الأنعام: 56) ، أي: لا اتبعكم على ما تدعونني إليه لا في العبادة ولا في غيرها من الاعمال لأنها مؤسسة على الهوى ، وليست على شيء من الحق والهدى ، فإذا فعلت ذلك فقد تركت محجة الحق وسرت على غير هدى فصرت ضالاً مثلكم وخرجت من عداد المهتدين .
ـ وقال تعالى:" وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا" (النساء: 115) ، أي: ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم فصار في شق والشرع في شق، وذلك عن عمد منه بعد ما ظهر له الحق وتبين له واتضح له ويتبع غير سبيل المؤمنين، هذا ملازم للصفة الأولى:" نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا" (النساء: 115) أي: إذا سلك هذا الطريق جازيناه على ذلك بأن نحسها في صدره ونزينها له استدراجاً له وجعل النار مصيره في الآخرة، لأن من خرج عن الهدى لم يكن له طريق إلا إلى النار يوم القيامة .ومن هذه النصوص وغيرها يتبين أن الاتباع مجبلة للهداية والرشاد، وعدم الاتباع موقع في الزيغ والضلال والهلاك .
3ـ الخشية:
ومن أسباب الهداية حسب سنته سبحانه وتعالى، خشية الله عز وجل والخوف منه، فإن خشيته عز وجل تجعل صاحبها أكثر من غيره استعداداً للتذكر إذا وعظ وذكر، وللاعتبار بما يرى من آيات الله في الكون والحياة وما تجري به سنته في أحداث التاريخ، وللانتفاع بالإنذار بعذاب الله في الدنيا والآخرة، والاهتداء إلى الحق إذا هدى إليه وآيات القرآن الكريم توضح هذه الحقائق أكمل توضيح، حتى أنها لتصور لنا ما يعتري الخائفين من الله إذا سمع آيات الهدى تتلى عليهم: قال تعالى: "اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ" (الزمر : 23 ) .
وقال تعالى بعد أن ساق قصة فرعون وما آل إليه أمره من النكال والهلاك قال: "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى" (النازعات : 26) فالذي يعرف ربه ويخشاه هو الذي يدرك ما في حادث فرعون من العبرة لسواه أما الذي لا يخشى ربه فبينه وبين العبرة حاجز، وبينه وبين العظة حجاب .
ـ ويقول الله عز وجل عن تأثير خشيته في قبول التذكرة "طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّاتَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى" (طه : 1 ـ 2) وقال تعالى:" فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يخَافُ وَعِيدِ" (ق: 45) . وقال تعالى:" وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" (الأنعام: 51) . فالذي يخشى يتذكر حين يذكر، ويتقي ربه بأداء فرائضه واجتناب محارمه، خشية عقاب الله ووعيده ، وهذه ألوان من الهداية يؤتيه اله سبحانه من يخشاه.
وقد جاء التصريح بترتيب الهداية على خشية الله دون من سواه. قال تعالى:" فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" (البقرة: 150) . فالهــدى إنمــا يكــون نتيجـة لخشـية الله وحــده دون مــن سـواه، لأن ذلـك يدفــع مــن يخشـى الله إلــى اتبــاع أوامــره واجتنــاب نواهيــه، دون النظـر إلــى انكـار غيــره ممــن لا يخشاهم مــن البشــر فطريق الهــدى هــو خشية الله وعـدم الخشية ممــن سواه .
4 ـ الإنابة إلى الله :
ومن أسباب الهداية التي جعلها الله سبباً في زيادة الهدى لأصحابها، إنابة العبد إلى الله، إنابة عبودية ومحبة وهي تتضمن أربعة أمور: محبته والخضوع له، والاقبال عليه والإعراض عما سواه . قال تعالى:"هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاء رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ" (غافر: 13) . وقال تعالى:" أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَالَهَا مِن فُرُوجٍ *وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ" (ق: 6 ـ 8) .
وفي قوله تعالى:" تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ" (ق: 8) دلالة على الإنابة سبب في الاعتبار لكل من تحققت فيه هذه الصفة، وأن هذه الصفة لتؤهلهم لثواب الله في الدنيا والآخرة فكما يثيب الله عز وجل عباده المنيبين إليه بالجنة في الآخرة فإنه سبحانه يثيبهم أيضاً بالهداية في الدنيا حسب سنته في الهداية والإضلال فيهديهم ويوفقهم إلى الرشاد وإصابة الحق، ويخلصهم لعبادته، والعمل بطاعته واجتناب ما حرمه ويوفقهم إلى تصديق ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام وإتباعه فيما جاء به .
وفي تقرير ذلك . قال تعالى : " وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ" (الرعد : 27) . وقال تعالى: " وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْعِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ" (الزمر : 17 ـ 18) . وقال تعالى: " شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ" (الشورى : 13) .
وأما جزاء المنيبين في الآخرة فقد قال تعالى: "وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ" (ق : 31 ـ 33) . ولذلك فقد أمر الله سبحانه عباده بالإنابة كما في قوله تعالى: " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ" (الزمر : 53 ـ 54) . وكما في قوله تعالى أيضاً: "فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَاتَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ" (الروم : 30 ـ 31) .
5 ـ البراء من الكافرين:
ومن الطاعات التي خصص الله سبحانه وتعالى ذكرها وجعلها سبباً في زيادة هدى أصحابها، البراءة من الكافرين بالبعد عنهم والخلاص منهم والعداوة لهم وعدم موالاتهم بالتقرب إليهم أو إظهار الود لهم بالأقوال أو الأفعال أو النوايا ، قال تعالى: "لَاتَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (المجادلة : 22) .
وليس البراء من الكافرين هم مجرد البراء من أشخاصهم، بل هو أيضاً البراء من أفعالهم وبغضها، وما ذلك إلا لأن ولاءهم هو سبيل الضلال أو الضلال بعينه كما جاء في قوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" (المائدة : 51) . وقال تعالى: "قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ" (التوبة : 24) .
والبراء من الكافرين يجنب صاحبه الوقوع في أعمال المعصية والضلال التي يقترفونها، ويجنبه التشبه بأعمالهم التي تؤدي به إلى الضلال، ثم إن البراء منهم تجنبه محاولتهم ثنيه عن إيمانه وهداه، قال تعالى: "وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ" (النساء : 89) .
6 ـ الجهاد في سبيل الله :
ومن أسباب الهداية الجهاد في سبيل الله، فقد رتب سبحانه وتعالى الهداية على الجهاد، وجعله سبباً من أسباب زيادة الهدى، قال تعالى: " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ" (العنكبوت : 69) . علق سبحانه الهداية بالجهاد، فأكمل الناس هداية أعظمهم جهاداً.
يمكنكم تحميل سلسلة كتب الإيمان كتاب :
الإيمان بالقدر
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book96.pdf