الإمام أبو حنيفة مؤسِّس مدرسة الرأي
اقتباسات من كتاب "مع الأئمة" لمؤلفه الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
الحلقة: الثالثة والثلاثون
ذو القعدة 1443ه/ يونيو 2022م
لقد أسَّس أبو حنيفة رحمه الله مدرسة الرأي في الكوفة، واستجاب لدواعي التجديد والقياس مما طرأ على حياة الناس وجدَّ من المسائل، خاصة مع نقص الرواية عندهم، ولقي في ذلك عَنَتًا من بعض مَن لم تتسع عقولهم لما اتَّسع له عقله، ولم يدركوا ما أدرك، وما هو إِلَّا أن قامت المدرسة واستقرَّت أصولها، حتى سلَّم لها كثير من المخالفين، وعذرها آخرون، وانقطع الكلام أو كاد، وهذا شأن المدارس التاريخية، كما تجده في النحو والأصول وغيرها.
ولله در الإمام أحمد حين يقول: «ما زلنا نلعن أهل الرأي ويلعنونا، حتى جاء الشافعي فمَزَجَ بيننا». أي: نذمهم ويذموننا.
قال القاضي عياض: «يريد أنه تمسَّك بصحيح الآثار واستعملها، ثم أراهم أن من الرأي ما يُحتاج إليه وتُنبني أحكام الشرع عليه، وأنه قياس على أصولها ومنتزع منها، وأراهم كيفية انتزاعها، والتعلُّق بعللها وتنبيهاتها، فعلم أصحاب الحديث أن صحيح الرأي فرع الأصل، وعلم أصحاب الرأي أنه لا فرع إِلَّا بعد الأصل، وأنه لا غنى عن تقديم السنن وصحيح الآثار أولًا».
وذكر إسحاق وغيره أنهم ما زال بهم الأمر حتى أخذوا بكثير من مسائل أبي حنيفة.
وهذا شأن المنصفين؛ الرجوع إلى الحق وأخذه من غير أَنَفَةٍ ولا استكبار.
فـ «الرسالة» للإمام الشافعي رحمه الله كان تأصيلًا لطرائق الاستدلال، وتدوينًا لقواعده، وقطعًا لدابر كثير من التهاوش والتهارش والتناوش بين المدارس المتنوعة في الفقه الإسلامي، والتي كان تنوُّعها خيرًا وثَرَاء للشريعة، وهكذا وُلدت المدارس الفقهية المعروفة في الحجاز والشام والعراق ومصر وما وراء النهر وبلاد المغرب؛ استجابة لدواعي الصيرورة الحضارية، ومعايشة لتقلبات الحياة، فالغنى والفقر والقوة والضعف، وقدر المعرفة ونوع العلاقة التي تحكم صلة الشعوب بعضها ببعض ذات تأثير واضح في عقل الفقيه واستنباطه، وقد كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول: «يَحْدُثُ للناس أقضيةٌ بقدر ما أَحْدَثُوا من الفجور».
هذه الحلقة مقتبسة من كتاب مع الأئمة للشيخ سلمان العودة، صص 71-72
يمكنكم تحميل كتاب مع الأئمة من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي عبر الرابط التالي: