الأحد

1447-06-23

|

2025-12-14

من أسباب هلاك فرعون وقومه .. الاستهزاء بالرسل وأتباعهم

بقلم: د. علي محمد الصلابي

 

وردت في القرآن الكريم آيات عدة تدل على شيوع الاستهزاء بالرسل في الأمم الهالكة، ومن تلك الآيات قوله تعالى: ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ ]يس:٣٠[.

وقوله تعالى: ﴿وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (٦) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٧)﴾ ]الزخرف:٦-٧[.

فزيادة على التكذيب والإعراض، واجه المكذّبون رسلهم ومن آمن بهم واهتدى بهُداهم بأساليب السخرية والاستهزاء (1).

ومما ورد من أمثال سخرية قوم فرعون بموسى عليه السلام: ﴿وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ﴾ ]الزخرف:٤٩[.

- وقوله تعالى عن فرعون: ﴿قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾]الشعراء:٢٧[.

- وقوله تعالى أيضاً: ﴿وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (٥١) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (٥٢) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (٥٣)﴾ ]الزخرف:٥١-٥٣[.

ومقالته هذه كلها سخرية بموسى واستهزاء به عن طريق الفخر بملكه وإظهار ما يدّعي أنه عيوب في موسى، واقتراح أمور من أجل التهكّم فحسب (2)، والله أعلم.

وقد تَعَرَّضَ فرعون للاستهزاء بأتباع موسى - عليه السلام - فقد وصفهم:﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (٥٤) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (٥٥) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (٥٦)﴾]الشعراء:٥٤-٥٦[.

وقد قال فرعون هذا الكلام على سبيل السخرية بقوم موسى والاستهانة بهم، وذلك بعد أن بلغه خروجهم من مصر ليلاً.

- وقوله: ﴿لَشِرْذِمَةٌ﴾ أي: جماعة قليلة محتقرة (3).

وفي كلام فرعون هذا إشارة إلى قلة قوم موسى وذِلَّتِهم من أربعة أوجه؛ وهي:

- ذكرهم بالاسم الدال على القلة مع الحقارة، وهو شرذمة.

- وصفهم بالقلة في قوله: ﴿قَلِيلُونَ﴾.

- جمع الوصف، فبدلاً من أن يقول: "شرذمة قليلة" قال: "قليلون"، ليعُلم أنهم أحزاب وأن كل حزب منهم قليل في نفسه.

- اختيار جمع السَّلامة لإفادة القلة (4).

وإنما قلل فرعون قوم موسى نظراً إلى كثرة ما عنده من الجنود والعتاد، ويجوز أن يكون أراد بوصفهم بالقلة ذلَّتهم وحقارتَهم، بحيث لا يُبالى بهم ولا يتوقع غلبهم ولا فواتهم (5).

وفي مقابل وصفه بني إسرائيل بالقلة والذلّة، وصف قومه بما يدل على الكثرة والعزة والمنعة، وذلك في قوله: ﴿وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ﴾ ]الشعراء:٥٦[؛ أي أنهم قوم من عادتهم الحذر والتيقّظ واستعمال الحزم في الأمور، فلا يخشى عليهم من مثل هؤلاء الشراذم (6).

ولم تمضِ إلا ساعات قليلة حتى أدرك آل فرعون من هم الشرذمة القليلون، ومن هم الجميع الحاذرون حقاً، فقد نالوا جزاء تكذيبهم واستهزائهم مع شروق الشمس، ولم يُغْنِ عنهم جمعهم ولا ما ادَّعوه من الحذر واليقظة حين أتى أمر الله بهلاك المكذبين المستهزئين وإنجاء المؤمنين، فكانت العاقبة -كما هي دائماً- للمتقين، والحمد لله رب العالمين (7).

 

المصادر والمراجع:

(1) أسباب هلاك الأمم السالفة كما وردت في القرآن الكريم، سعيد سيلا، ص٣٢٠.

(2) المصدر نفسه، ص٣٢٣.

(3) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ابن عطية الاندلسي، (٢/٤٢٣).

(4) تفسير الزمخشري، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، (٣/١١٥).

(5) أسباب هلاك الأمم السالفة كما وردت في القرآن الكريم، سعيد سيلا، ص٣٢٦.

(6) المصدر نفسه، ص٣٢٦.

(7) المصدر نفسه، ص٣٢٦.

(8) موسى كليم الله، علي محمد الصلابي، دار ابن كثير، 2022.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022