الخميس

1446-11-03

|

2025-5-1

(إضاءات حول الدعم السعودي للثورة الجزائرية)

من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):

الحلقة: 334

بقلم: د.علي محمد الصلابي

صفر 1444 ه/ سبتمبر 2022م

 

لقد كان التحدي السعودي للغرب في أول دعم سياسي علني من طرف المملكة العربية السعودية للثورة الجزائرية وقضيتها العادلة، وهو لفت انتباه هيئة الأمم المتحدة بواسطة ممثلها في نيويورك بتاريخ 5 جانفي 1955م، وذلك بعد شهرين من اندلاع ثورة نوفمبر 1954م إلا أن الحالة التي تسود الجزائر خطيرة جداً ولابد من التطرق إلى معاناة الشعب الجزائري من السياسة التسلطية الفرنسية، كما حمّلت المملكة العربية السعودية من خلال الأستاذ أحمد الشقيري فرنسا المسؤولية الكاملة عما يحدث للشعب العربي في الجزائر، وكردّ فعل قامت بحملة قوية وشرسة ومضادة لسياسة الاحتلال الفرنسي المطبقة ضد شعب أعزل هو الشعب الجزائري.(1)

واستمرت المملكة العربية السعودية تدافع عن حق الجزائر في الحرية والاستقلال حتى تحررت الجزائر. وكانت لها صولات وجولات على منبر الأمم المتحدة، ففي دورة عام 1956م كشف الوفد السعودي لوفود الدول الحاضرة في الجمعية العامة جرائم الاستعمار الفرنسي المرتكبة في حق الشعب الجزائري الأعزل، إلى جانب كل أنواع الإرهاب والتعذيب والتقتيل الفردي والجماعي المرتكبة في حقه، وقد وجه ممثل الوفد السعودي كلامه من على منبر الهيئة الأممية إلى دول الحلف الأطلسي، التي قامت مقام فرنسا في إزاحة القضية الجزائرية من جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة قائلاً: كيف تقفلون أبواب الأمم المتحدة في وجه القضية الجزائرية، نحن لا نريد لفرنسا إدانة ولا إهانة، كل ما نريده هو الوصول إلى حل سلمي ديمقراطي وفق أهداف الأمم المتحدة.(2)

لقد تبنت السعودية القضية الجزائرية على مستوى هيئة الأمم المتحدة، وفتحت المواجهة مع الحلف الأطلسي عموماً وفرنسا بوجه خاص، وبالتالي ربطت مصيرها بمصير القضية الجزائرية، وهذا ما جعلها عرضة لانتقادات الطرف الفرنسي والدخول معه في مواجهات قوية، وهذا ما ميز دورة عام 1956م الأممية، حيث عرض الوفد السعودي القضية الجزائرية ودافع عنها دفاعاً مستميتاً، توج بتسجيل الوفد الجزائري ضمن قائمة الوفد السعودي، وهو الأمر الذي أثار ثائرة الوفد الفرنسي برئاسة رئيس الخارجية السيد «بينو»، الذي اتهم السعودية بانتمائها إلى الشيوعية على اعتبار أنها تدعم الثورة الجزائرية.(3)

بعد مرحلة المواجهة العنيدة بين السعودية وفرنسا، جاءت دورة 1958م التي سمحت للدول العربية تعزيز موقفها في الهيئة الأممية والدفاع عن القضايا العربية منها قضية الجزائر، حيث راح ممثل المملكة العربية السعودية في هذه الدورة يوجه سهام الانتقادات اللاذعة للسياسة الفرنسية في الجزائر، ويرد بقوة وحزم على مزاعم فرنسا، ويناشد الدول الأعضاء في الهيئة الأممية العمل من أجل إقناع فرنسا والضغط عليها بكل الوسائل لإخراجها من الجزائر ورفع المعاناة عن شعبها، انطلاقاً من الواقع التاريخي الذي أكد على سيادة هذا الشعب عبر مراحل تاريخه في أرضه، وأنه لا يمت للشعب الفرنسي بأية صلة كانت، وبالتالي فإن الشعب الجزائري له كيانه القائم بذاته هو الكيان العربي لا غير.

وقد انتهت دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة في عام 1958م بقرارها الذي صرح بحق الشعب الجزائري في الاستقلال والحرية، على غرار كل شعوب العالم.

ومع انعقاد الدورة الرابعة عشر للجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة عام 1959م، أعلن الوفد السعودي من على منبرها مرة أخرى عن ضرورة تطبيق كل القرارات السابقة المتعلقة بالقضية الجزائرية، ووقف ممثل الوفد في هذه الدورة يشرح للمجتمع الدولي كل الأخطار الناجمة والتي ستنجم مستقبلاً عن الإدعاءات الفرنسية الباطلة، والهادفة إلى الاحتفاظ بالجزائر بحدّ السيف متحدية بذلك الشعور الجزائري والعربي والدولي، وهذا ما يناقض تماماً أطروحات الرئيس الفرنسي الكاذبة حول إيجاد حل للمعضلة الجزائرية، لكنه حل يتماشى والمصالح العليا الفرنسية.

لقد اتسمت هذه الدورة بالتحدي السعودي للأطروحات الفرنسية التي لا تستند إلى الفعل القانوني والموضوعي للقضية في حد ذاتها، ومن التساؤلات الحادة والمحرجة في ان واحد التي طرحها الوفد السعودي في تدخلاته بشأن القضية الجزائرية ما يلي: هل تريد الأمم المتحدة وهي أعلى هيئة أممية أن تضع نفسها في خدمة المصالح الاستعمارية؟

وقد ركز الوفد السعودي في هذه الدورة على أن الثورة الجزائرية ماضية إلى الأمام ومن ورائها كل شعوب العالم التواقة إلى الحرية والاستقلال وعلى رأسها الشعب العربي، وأن الشعب الجزائري ومن خلال كفاحه المستمر وثورته المظفرة سيحقق حريته في نهاية المطاف.(4)

كما شهدت دورة عام 1960م نفساً جديداً بالنسبة للوفد السعودي، الذي راح وبصورة علنية يوجه الاتهام إلى الولايات المتحدة الأمريكية بتواطئها ضد ثورة الشعب الجزائري وقضيته، ومؤازرة حليفتها فرنسا صاحبة وثيقة حقوق الإنسان ؛ هذا التواطؤ الذي جسده طلب الوفد الأمريكي في التروي عند طرح القضية الجزائرية دون أن يعطي لها أدنى اهتمام، وغير مبالي بما حققه على الصعيد الدولي من انتصار وتأييد واسعين. وما ميز التدخل السعودي في القضية هو صراحة ممثلها وهجومه الشرس على فرنسا وحلفائها، حيث جاء في إحدى تدخلاته ما يلي: ترى من الذي جعل القضية ملتهبة؟ أهي خطبي النارية؟ أم أسلحتكم النارية الفتاكة؟(5)

واحتج المندوب السعودي على جعل الاستفتاء على مصير الجزائر يقوم به الشعب الفرنسي فقال: نحن نرفض الاستفتاء، ولكن ما هو الاستفتاء؟ فقد جعل منه ديغول عملية مزدوجة ذات استراتيجية ذكية يريد من ورائها فرنسة الجزائر، ما هو شأن الشعب الفرنسي في تقرير مصير الجزائر، إن الشعب الجزائري هو الذي يقرر المصير، وتقرير المصير عند الجنرال ديغول هو إفناء المصير.(6)

وفي دورة 1961م الأممية بدأت فرنسا تشعر بدنو أجلها في الجزائر، لذا راحت تبحث لها عن مخرج اخر وبطرح مغاير لطروحاتها السياسية السابقة. وقد تمثل هذا الطرح الجديد في الاحتفاظ بالصحراء الجزائرية والمناطق الاستراتيجية العسكرية مثل ميناء أرزيو، إلى جانب حقول البترول التي اكتشفت من طرفها، لكن الوفد السعودي عارض هذه السياسة الجديدة، واعتبر المطالب الفرنسية غير منطقية، على اعتبار أن هذه المناطق هي جزء من الوحدة الترابية للجزائر، ولا حق لفرنسا في المطالبة بها.

ومما قاله ممثل الوفد السعودي في هذا الصدد ما يلي: طال كلامنا في الأمم المتحدة عن قضية الجزائر، وطال عصيان فرنسا لقرارات الأمم المتحدة، لكن صبر الشعب الجزائري لن ينفذ، وسيظل يحمل السلاح حتى تتحقق له حريته واستقلاله.(7)

وفي عام 1962م دعمت السعودية طلب الجزائر المستقلة على أن تكون عضواً في الهيئة الأممية، فكان للجزائر ما أرادت لتزيد من التمثيل العربي قوة في هذه الهيئة، وقد وقف ممثل الوفد السعودي كعادته يلقن فرنسا دروساً في التاريخ العربي وبطولات شعوبه قاطبة، مرحباً بالعضو العربي الجديد، وملتفتاً في نفس الوقت إلى الوفد الفرنسي قائلاً له: الان انتهت الحرب بين الجزائر وفرنسا، والان ينتهي الحوار بيننا وبين فرنسا في الأمم المتحدة، وإني أرى من واجبي أن أعترف من غير أن أعتذر: لقد كنت قاسياً على فرنسا وعلى الجنرال ديغول، لكن هذه هي الحرب .(8)

 

مراجع الحلقة الرابعة والثلاثون بعد الثلاثمائة:

(1) مريم صغير، مواقف الدول العربية من القضية الجزائرية، ص 215.

(2) المصدر نفسه ص 219.

(3) المصدر نفسه ص 221.

(4) خيرية قاسمية أحمد الشقيري زعيماً فلسطينياً ورائد عربياً، ص 429.

(5) المصدر نفسه ص 484.

(6) المصدر نفسه ص 387.

(7) مواقف الدول العربية ص 231.

(8) المصدر نفسه ص 232.

يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي

الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى

alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF

الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس

alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf

الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي

alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf

كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:

http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022