الخميس

1446-11-03

|

2025-5-1

(الدعم المالي السعودي للثورة الجزائرية)

من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):

الحلقة: 336

بقلم: د.علي محمد الصلابي

ربيع الأول 1444 ه/ أكتوبر 2022م

قال أحمد توفيق المدني أحد ممثلي جبهة التحرير في الخارج: كانت الضيافة ـ بالرياض ـ ممتعة وقابلنا الملك سعود بن عبد العزيز مقابلة حارة، واستمع إلى كلامي في تفهم عميق، وقال: أبشروا سيكون لكم بحول الله ما تطمئن إليه قلوبكم، إني أكلف بكم وزير المالية الشيخ سرور الصبان، وإنني أدرس معه كل الإمكانات فكونوا على ثقة من أننا نعمل ما يوجبه الله والضمير.

كان ذلك يوم 11 ديسمبر ويوم 15 ديسمبر أعلمنا الشيخ سرور الصبان أن الملك فهم الواقع على حاله، وأنه الان بصدد التشاور مع كل ملوك ورؤساء العرب، ليعرف ما فعلوا وما هم عازمون على فعله، وسيكون بحول الله في المقدمة والطليعة، وتواعدنا على اللقاء بعد عودتنا من الأردن.(1)

وعدنا لجدة فكنا بها يوم افتتاح سنة 1958م وأخذنا نتصل ونوالي الاتصال ؛ ثم طرنا إلى الرياض يوم 3 جانفي، وقابلنا الملك سعود وكان في جمع حاشد من رجاله وال بيته وزائريه، وتعشينا على مائدته الملكية.. وأمسك الملك بيدي بعد العشاء وقال: قد أرسلت لكم كشفاً بكل ما دفعناه للجزائر إلى هذا اليوم، قلت: وصلنا، قال ما نصه بالحرف: نحن معكم إلى النهاية ولا نتخلى عنكم أبداً، إنما ليست لنا الان إمكانيات مالية، فقررت أننا نقوم بعد شهر بفتح اكتتاب شعبي عام، أبدأ فيه بنفسي وأضع فيه مقداراً جسيماً ويشارك فيه الأمراء، ويشارك فيه الشعب، وستكون النتيجة فوق ما تتصورون. وسيخبركم الصبان بتفاصيل هذا القرار.

كان الصبان مريضاً، فانتظرنا شفاءه، ثم من الله علينا بالاجتماع به فحدثنا وكان فحوى حديثه:

ـ الملك قرر أن يفتح الاكتتاب بمبلغ مائة مليون فرنك على أن يكون نصيب الحكومة 250 مليون وهو يضمنها.

ـ أن يكون الدفع لكم رأساً حسب ما طلبتم، يوضع في حسابكم بدمشق.

ـ مهما أردتم سلاحاً أو مالاً أو مسعى سياسياً، فاتصلوا بالملك رأساً بواسطة رسالة أو رسول وهو موجود لتحقيق ذلك حسب الجهد والطاقة.

ـ يقول جلالة الملك: إنه يفكر الان في أمر جمع مؤتمر عام لملوك ورؤساء المسلمين لتدارس قضية الجزائر والنظر في حاجاتها، وطريقة إسهامهم في إمدادها، فطلبنا إليه أن يتولى نيابة عنا تقديم شكرنا للملك وأن الاتصال بيننا سيكون مستمراً بحول الله.(2)

وفي يوم 6 مارس سنة 1959م يقول الأستاذ المدني: نزلنا أول في مطار جدة، فإذا بنا نستقبل رسمياً بصفة مرموقة وبين صفوف حرس الشرف، وكان ينتظرنا رجال الحكومة ووالي جدة، كان يوم 6 مارس سنة 1959م.

بعد استراحة قصيرة ذهبنا ممتطين سيارتنا الرسمية إلى منبع النور ومصدر الهدى مكة المكرمة، حيث أدينا العمرة وصلينا بساحة مسجدها المطهر فريضتي

المغرب والعشاء، ورأيت الرئيس فرحات عباس، المتفرنج، رأيته والله يرتعد فرقاً وهو بين يدي الله، وقد اصفرّ لونه حتى أصبح ليمونة صيف، وارتعش إلى درجة أنني كنت أمسك به حتى لا يقع، ووجم كأنما هو صوفي من رفقاء الجنيد أمام جلال الله وعظمة الله وروعة بيت الله، وهكذا تفجر إيمانه فإذا هو أصدق وأقوى إيمان.(3)

أخذنا صباحاً طائرة الملك الخاصة وذهبت بنا إلى الرياض، حيث كان ينتظرنا على السلم سمو الأمير فيصل «الملك فيما بعد» وكان ولياً للعهد ورئيساً لمجلس الوزراء، ويحف به رجال الدولة وأساطين الحكم. وكان لنا معه عشية حديث هام، فكان هو الجزائري المطالب وكنا نحن المجاهدين المطلوبين، ثم أطلعنا على حقيقة الحالة المالية المرتبكة في الدولة... وقال الأمير فيصل: إنني أحاول رغم مرضي وهرمي أن أضع حداً لهذه الحالة المؤلمة التي لا يمكن أصلاً أن تدوم، وسأضع لميزانية الدولة وأموالها ـ بإعانة الله ـ أسس قارّة لا تتعداها، وعندئذ لن نقع بمشيئة الله في أزمة مالية إطلاقاً. أما كفاح الجزائر فهو الجهاد الحق ومن لم يشترك فيه بنفسه وبماله فقد باء بغضب من الله، وإننا زيادة عن دفع حصتنا مما قررته الجامعة العربية ومع استعدادنا لدفع كل حصة تقررها سنبذل بحول الله فوق ذلك حسب الجهد والطاقة.

ومن الغد يوم 8 مارس.. وكانت مقابلة مودة وعطف وإخلاص، وأكد لنا خلالها ما قال من قبل أخوة الأمير فيصل عن القضية الجزائرية، وأما ليلاً فقد أقام لنا جلالة الملك مأدبة حافلة حضرها نحو الثلاثمائة من رجال الدولة وأعيانها وكبرائها.. وعند تناول القهوة العربية في البهو الوسط، أحطنا بالملك فأعلمنا أنه أمر لنا كتحية قدوم بمليار فرنك، تدفع لحسابنا بدمشق وأن ذلك المقدار سيتبع بمقدار اخر، وقال مبتسماً: أنتم تدفعون ضريبة الدم ونحن ندفع ضريبة المال والله يوفقنا.(4)

كما خصصت السعودية 250 ألف جنيه سنوياً لحرب التحرير الجزائرية سلمت عن طريق جامعة الدول العربية، بالإضافة إلى ذلك حدد الملك يوم 15 شعبان يوم الجزائر لجمع التبرعات المالية. وفي مناسبة 15 شعبان 1958م كان الملك أول المتبرعين بمليون ريال سعودي بالإضافة إلى مليونين ونصف من الحكومة.

ومن بين المساعدات المالية الخاصة التي كانت تقدمها السعودية هو تقديم مليون جنيه إسترليني للحكومة الجزائرية المؤقتة «جويلية 1961م»، وبهذه المناسبة وجه السيد فرحات عباس رئيس الحكومة المؤقتة رسالة إلى الملك مؤكداً فيها أنه: لا يسعني يا صاحب الجلالة إلا أن أرفع إلى جلالتكم شكري الصادق، واعتراف وتقدير حكومتي وشعب الجزائر لما بذلتم وتبذلونه في سبيل نصرة قضيتنا، التي هي قضية الأمة العربية التي باعتزازها يعز الإسلام. وإن حكومة وشعب صاحب الجلالة الذي ناصر قضيتنا ولا يزال يناصرها منذ البدء ؛ لا يستغرب منه أن يظل النصير الأول لقضيتنا العادلة.(5)

 

الحلقة السادسة والثلاثون بعد الثلاثمائة:

)) أحمد توفيق المدني، حياة كفاح (3/79).

2)) حياة كفاح (3/534).

3)) حياة كفاح (3/597).

4)) حياة كفاح (3/599).

5)) اسماعيل دبش، السياسة العربية والمواقف الدولية ص 79.

يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي

الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى

alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF

الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس

alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf

الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي

alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf

كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:

http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022