(من أشكال الدعم السوري للثورة الجزائرية)
من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):
الحلقة: 344
بقلم: د.علي محمد الصلابي
ربيع الأول 1444 ه/ أكتوبر 2022م
1.يوم الجزائر:
في يوم 10 رمضان عام 1377هـ الموافق 30 مارس 1958م، كانت دمشق العاصمة السورية على موعد مع يوم الجزائر الذي تميز بإقامة الاحتفالات والمهرجانات الثقافية، أبرزها ذلك الاحتفال الذي أقيم تحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية السورية شكري القوتلي، وبحضور العديد من الوزراء والشخصيات البارزة منها: وزير الداخلية انذاك عبد الحميد السراج، نوري الإيبش، وفاخر عاقل، والسيدة قمر قزعون شورى، والسيد أكرم الحوراني نائب رئيس الجمهورية، والسيد كمال الدين حسين وزير التربية والتعليم، والأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عبد الخالق حسونة، ومنظر القومية العربية ميشال عفلق، وكذلك سفير المغرب في دمشق السيد المحجوب بن الصديق، وممثل جبهة التحرير الوطني الغسيري.(1)
وقد تم تشكيل هيئة بالعاصمة السورية دمشق يتمثل عملها في جمع التبرعات المالية، وقد عرفت هذه الهيئة بجماعة أسبوع الجزائر، حيث كانت تقدم الأموال بعد جمعها إلى مكتب جبهة التحرير الوطني الجزائرية بدمشق، وهو من جانبه يقوم بوضعها في أحد البنوك هناك، وكان عمل جماعة أسبوع الجزائر تجاه الثورة الجزائرية بتوجيه من الرئيس شكري القوتلي، وبأمر منه. وخلال الأسبوع الجزائري في مارس 1957م مثلاً تسلم الوفد الجزائري 000،800،1 ليرة سورية و 49،130،132 دولار بصكوك موقعة من الرئيس القوتلي نفسه، وفي نفس السنة تسلم ممثل مكتب جبهة التحرير الوطني بدمشق صكاً اخر قدره مليار وخمسة ملايين فرنك.(2)
2 ـ أطفال سوريا:
في وصف السيد أحمد توفيق المدني لزيارته لسوريا قال: .. وعند خروجنا من المقبرة قبيل الغروب وجدنا أنفسنا أمام جماعة من الصبية يعودون من المدرسة إلى ديارهم وأحاطت بنا شلة منهم، وقال قائل: من أنتم أيها السادة؟ قلت له: نحن من الجزائر. فصاح التلاميذ كلهم بصوت واحد: لتحيا الجزائر لتحيا الجزائر، وقال لي أصغرهم سناً: بالله سلموا على كل من يضرب البارود في الجزائر.
بهذه الكلمة البسيطة الحارة الصادرة عن قلب مؤمن مطمئن انطبع حب دمشق وأهل دمشق فوق صفحات قلبي إلى الأبد أعيش به، وأموت به، وأبعث حيا.(3)
3 ـ فتح أرصدة بنكية:
وإلى جانب التبرعات المالية، سمحت الحكومة السورية بتسهيل مهام الوفد الجزائري بفتح أرصدة بنكية قابلة لتحويل العملة الصعبة. ومن أبرز البنوك التي كانت مسرحاً لهذه العمليات بنك الرافدين، الذي كانت توضع فيه الأموال باسم رئيس مكتب دمشق السيد عبد الحميد مهري، الذي تحصل على مكانة مرموقة في دمشق، تفتح في وجهه كل الأبواب، وتذلل أمامه كل الصعاب، يعينه في أعماله إعانة فعالة الأخ الشيخ الغسيري عليه رحمة الله وبركاته.(4)
4 ـ الدعم بالسلاح والذخيرة والرجال والغذاء:
سهلت الحكومة السورية عملية جلب الأسلحة واقتنائها، وقامت بفتح حدودها مع العراق وجعلتها منطقة عبور للأسلحة الاتية من العراق، وهذا بناء على الاتفاق الثنائي بين الحكومة السورية ولجنة السلاح الجزائري، الذي يشترط على سوريا التكفل بتأمين الأسلحة وضمان إرسالها إلى الجهة التي تعينها الهيئة المشار إليها.(5)
ولم ينحصر الدعم المادي في الناحية المالية وتزويد الثورة الجزائرية بالأسلحة سواء من مخازن الجيش السوري أو عن طريق فتح حدودها لنفس الغرض، وإنما تجسد هذا الدعم في أرض المعركة حيث فتحت سوريا باب التطوع لكل السوريين سواء الوسط الشعبي أو الوسط العسكري، وبالتالي أصبحت الرغبة في الجهاد لدى السوريين أمراً ضرورياً، لأنه نصرة لإخوانهم الجزائريين الذين هم بأمس الحاجة إليهم أكثر من أي وقت مضى.
ومن هذا المنطلق توافد على أرض الجزائر بعض الإخوة السوريين الذين انضموا إلى صفوف الثورة المباركة، ودعموها بضباط سامين ساهموا بدرجة كبيرة في تدريب وتوجيه أفراد جيش التحرير الوطني في الجبال وتلقينهم الأساليب الحربية الجديدة.(6)
وإذا كان السلاح بالنسبة للجزائريين قضية ضرورية، فإن المواد الغذائية هي الأخرى كانت ذات أهمية، ودعمت سوريا جبهة التحرير الوطني بكمية كبيرة من القمح بحوالي ألفي قنطار من القمح السوري مجاناً، واستمر الدعم العسكري بالسلاح والعتاد لثوار الجزائر، وتدريب فرق من أعضاء جيش التحرير بما فيها التدريب على الطيران العسكري. وكان الطلبة الجزائريون هناك يعاملون كسوريين ويشاركون الاحتفالات والأعياد الوطنية الرسمية كجنود وضباط سوريين مرتدين الزي العسكري السوري، ويشاركون حتى في الاستفتاءات الوحدوية مثل الاستفتاء على الوحدة بين سوريا ومصر.(7)
5 ـ الدعم العلمي والثقافي:
لم تبخل سوريا على الطلبة الجزائريين في نهل العلم والثقافة والمعرفة، بل دعمت هذا الاتجاه عن طريق فتح المجال لهم، حيث تزايد عددهم ليصل إلى 107 طالب، وهذا بعد المجهودات التي قامت بها جبهة التحرير الوطني ممثلة في مكتبها التمثيلي الذي فتح مفاوضات مع الوزير السوري للتربية والتعليم، انتهت بعقد اتفاق بين الطرفين قبلت فيه سوريا مطالب الجزائريين ومن أهمها: دفع الحكومة السورية منح للطلبة الجزائريين، وإعفاؤهم من رسوم الدراسة، كما يمكنهم التزود مجاناً بالكتب الضرورية.(8)
والعلاقة العلمية والثقافية بين الجزائر وسوريا مستمرة إلى يومنا هذا وممتدة جذورها في أعماق التاريخ وعبق الحضارة الإسلامية، وشهدت ازدهاراً واضحاً مع هجرة الأمير عبد القادر إلى سوريا، فلقد لعب الأمير والمهاجرون من الجزائر دوراً ملموساً في التعليم والتربية.
لقد وقفت الحكومة السورية وشعبها قلباً وقالباً مع دعم ثورة الجزائر، وكان للاستعمار والمعاناة والمواجهة المشتركة للشعبين الجزائري والسوري ضد الاستعمار الفرنسي، تأثير متميز في دعم سوريا للكفاح الجزائري العظيم.
مراجع الحلقة الرابعة والأربعون بعد الثلاثمائة:
(1) مواقف الدول العربية ص 243.
(2) السياسة العربية والمواقف الدولية ص 85.
(3) حياة كفاح (3/302).
(4) حياة كفاح (3/301).
(5) مواقف الدول العربية ص 248.
(6) المصدر نفسه.
(7) السياسة العربية والمواقف الدولية ص 86
(8) مواقف الدول العربية ص 242.
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: