الأربعاء

1446-11-02

|

2025-4-30

(إضاءات حول الدعم اللبناني للثورة الجزائرية)

من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):

الحلقة: 345

بقلم: د.علي محمد الصلابي

ربيع الأول 1444 ه/ أكتوبر 2022م

 

كان الدعم المعنوي والمساندة الشعبية والحكومية من لبنان منسجمة مع الخط العربي العام على المستوى الشعبي والحكومي، وعاش الشعب اللبناني أحداث حرب التحرير الجزائرية ومناسباتها وذكرياتها بكل جوارحه، وعبّر باستمرار عن حزنه على قمع الشعب الجزائري، وإدانته للاستعمار الفرنسي وحلفائه بمناسبة الذكرى السادسة «1960» لثورة أول نوفمبر مثلاً، مظاهرات ضخمة عمت لبنان وعبرت فيها الجماهير اللبنانية عن سخطها تجاه الاستعمار الفرنسي، ومنادين بحياة جيش التحرير الجزائري. وبحديقة السفارة الفرنسية ببيروت علق المتظاهرون العلم الجزائري منادين بعروبة الجزائر ولبنان.

وفي نفس المناسبة ألقى السيد صائب سلام رئيس الحكومة اللبنانية خطاباً أكد فيه مساندة لبنان الشقيق لكفاح الجزائر المجاهدة.. لقد قلتم «مخاطباً المتظاهرين» كلمتكم اللبنانية العربية الصميمة، وكان لها وقعها عند العرب وعند إخواننا الجزائريين، إن عهد الاستعمار قد ولى إلى غير رجعة، وقد حطمه أبطال الجزائر.

دولياً كان للموقف الرسمي اللبناني بجانب الأقطار العربية الأخرى تأثير فعال في تعبئة المواقف الدولية للوقوف بجانب قضية الجزائر العادلة ومناقشة الموضوع بطريقة شرعية، والعمل على إقناع الجميع بضرورة إعطاء الشعب الجزائري الحرية المطلقة في تقرير مصيره، ذلك ما أكده السيد صائب سلام رئيس الحكومة اللبنانية أثناء تدخله أمام الدورة الخامسة عشرة للأمم المتحدة «أكتوبر 1960»:

بما أن الحكومة الفرنسية لم ترض بالتفاوض حول شروط الاستفتاء الحر، طالبت الحكومة الجزائرية بتنظيم استفتاء تحت رقابة الأمم المتحدة وهو طلب معقول. إنه من واجب الأمم المتحدة أن تضمن حرية الاستفتاء بالجزائر، إذ أن من مصلحة الجزائر وفرنسا والعالم أجمع ألا يتطرق الشك إلى ذهن أحد فيما يتعلق باختيار الشعب الجزائري ونزاهة الاستفتاء.

وفي إطار الدعم الرسمي للثورة الجزائرية، فقد أدلى رئيس الحكومة اللبنانية بتصريح رحب فيه برد الحكومة الجزائرية المؤقتة الإيجابي، حول قبول مبدأ المفاوضات، واعتبرها الممثل الوحيد للشعب الجزائري المجاهد. كما جاء إعلان وزير خارجية الجمهورية اللبنانية بعد عام من تصريح رئيس الحكومة وذلك في يوم 17 فيفري 1961م، ليؤكد فيه مرة أخرى على التضامن مع القضية الجزائرية مادياً ومعنوياً، وتضمن قرار بلاده المساهمة بمبلغ مالي قدره 500 ألف ليرة لبنانية لتضاف إلى حساب ميزانية الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية.

وقد برز دور الطلاب اللبنانيين في تحريك مشاعر الشعب اللبناني من خلال لافتات كتب عليها مطالبة الدول العربية بالعمل السريع لإنقاذ الجزائر، والتنديد بأعمال الاستعمار الفرنسي الوحشية، وأكدوا في هذه المظاهرات العارمة على ضرورة تزويد الجزائر بالسلاح والمال والمتطوعين. وما جلب الانتباه هو تصدر فتاة لبنانية تحمل العلم الجزائري وبجوارها فتاة أخرى تحمل العلم اللبناني، ومن بيروت إلى مدن لبنانية أخرى منها طرابلس وصور، التي شهدت بدورها مظاهرات أقيمت على إثرها مهرجانات شعبية كبيرة، طالب فيها المشاركون إرسال برقيات تأييد وتضامن للشعب الجزائري، وضرورة الإسراع في مساعدة الثورة الجزائرية بالأموال والسلاح والمتطوعين، والتأكيد على مقاطعة فرنسا سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وتنبيه حكومتهم بالإسراع في دفع مستحقاتها في الميزانية المخصصة للجزائر.

ومن جهة ثانية كانت سنة 1961م سنة التضامن الطلابي المتزايد، حيث استنكر شباب مدينة صيدا اللبنانية المؤامرة التي أعلن عنها الرئيس الفرنسي شارل ديغول، لكونها تهدف إلى تقسيم الجزائر، ومحاولة فصل الصحراء عن شمالها لغناها بالبترول، وقد أكدوا وقوفهم الدائم مع الشعب الجزائري في جهاده من أجل استرجاع الاستقلال الكامل والغير منقوص.

لم يمر عام على مظاهرات بيروت عام 1960م حتى انفجرت مظاهرات عارمة في ذكرى أول نوفمبر من عام 1961م، وكانت العاصمة بيروت ميداناً لها، حيث جسدت التأييد المطلق للقضية الجزائرية، وجاءت تحية للذكرى السابعة، وقد طاف المتظاهرون كل شوارع بيروت الرئيسية مارين بالسفارات العربية والأجنبية. وكانوا يرددون عبارات التأييد والدعوة لنصرة الشعب الجزائري، واستنكار العدوان الفرنسي الغاشم، وقد استمرت المظاهرات أوقاتاً طويلة. ونفس الحدث شهدته باقي كبريات المدن اللبنانية ومنها طرابلس حيث أقيمت فيها مهرجانات كبيرة إحياء ليوم الثورة الجزائرية.

وفي زيارة وفد الحكومة المؤقتة للبنان، وكان أعضاء الوفد: عباس فرحات، كريم بلقاسم، وأحمد توفيق المدني الذي ذكر قصة الزيارة في كتابه فقال:

.. وباشرنا الأعمال فقابلنا الرئيس الكيّس اللبق فؤاد شهاب، ورئيس الوزراء الحازم الفطن رشيد كرامي، ووزير الخارجية النابه الحاج حسين العويني، ورئيس مجلس النواب، وكانت كلها زيارات ودّ ومجاملة تكلمنا خلالها عن كل شيء خاصة قضية الجزائر، وما تتطلبه من جهود وموقفنا الخاص من فرنسا، وقالوا لنا جميعاً: إنهم معنا قلباً ولكن المال والسلاح على مراد الله، ووعدوا بالتأييد التام لدى هيئة الأمم المتحدة وبالسعي لدى فرنسا وهم مدللون لديها.

ثم قابلنا خشبة مسندة تدعى مفتي لبنان، كان يمتاز بصمته وبرودته وبما يظهر عليه من لا مبالاة مطلقة، وبسطت له وضعية الجزائر، فكنت كأنني أخاطب أوثان الكعبة في عصر الجاهلية، ثم قمنا للخروج فودعنا بقوله: الله ينجح المساعي، وخرجنا لا نلوي على شيء.

ومن الغد قابلنا زعيم المسيحيين البطريك «المعوشي» كان رجلاً كاملاً شهماً بديع الكلام جليل الإنصات تحادثنا معه نحو ساعتين، كنا خلالهما في حضرة سياسي من الطراز الأول، وطني عربي من الصادقين، ومناضل يدرك معنى الثورة ويدرك ما تتطلبه الثورة، جادلنا فأحسن جدالنا، ووضعت القضية الجزائرية برمتها على المحك وبسط عنها من ارائه ما ملأنا إعجاباً وتقديراً قال:

إن استقلالكم أمر لا شك ولا ريب فيه، فقد امن به كل الناس، إنما الموضوع الحقيقي هو إدراك هذا الهدف بأقصى ما يكون من السرعة، وأقل ما يمكن من الضحايا، إنكم بذلتم إلى الان أقصى ما يمكن بذله من دماء ومن جهد ومن تضحيات، وقد جاءت ولا ريب ساعة الحصاد فلتكونوا حكماء ولتعرفوا كما قال العرب الأول: من أين تؤكل الكتف.

إنني سأكون بعد يومين في باريس ماراً بروما، وسأخاطب بإطناب قداسة الباب في الموضوع وأقنعه بوجوب قيامه بمسعى حميد في الموضوع، كما سأخاطب الجنرال ديغول ورجال حكومته ورجال الكنيسة الفرنسية، حتى تتضافر الجهود، وتقترب ساعة الخلاص، وأود أن ترسلوا لي بعد رجوعي رجلاً أخبره بما علمت وبما سمعت، وبما حققت.

ودعناه ورافقنا إلى الباب الخارجي، وعدنا أدراجنا نعادل في داخل نفوسنا بين مقابلة حضرة المفتي وحضرة البطريق الحكيم.

لقد استمر الدعم المعنوي والمالي بقدر المستطاع من الشعب اللبناني لثورة الجزائر من مصادر جماهيرية منظمة ومتعددة، وكانت تجمع وتوصل لممثل جبهة التحرير الوطني المساعدات المالية، كما كانت للحكومة اللبنانية مساهمات مالية ومعدات طبية توجه لمساندة حرب التحرير.

 

مراجع الحلقة الخامسة والأربعون بعد الثلاثمائة:

(1) السياسة العربية والمواقف الدولية ص 87.

(2) السياسة العربية والمواقف الدولية ص 87.

(3) مواقف الدول العربية ص 297.

(4) المصدر نفسه ص 299.

(5) المصدر نفسه ص 300.

(6) المصدر نفسه ص 300.

(7) حياة كفاح (3/635).

(8) السياسة العربية والسياسة الدولية ص 87.

يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي

الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى

alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF

الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس

alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf

الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي

alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf

كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:

http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022