الأربعاء

1446-11-02

|

2025-4-30

(من عوامل نجاح نور الدين في تحقيق برنامجه الإصلاحي)

من كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي

الحلقة: 110

بقلم: د. علي محمد الصلابي

شعبان 1444ه/ فبراير 2023م

 

إنَّ جهوده جاءت تالية لجهود المدارس النظامية، فانتفع بما حققته من نتائج، وفي مقدمتها: تخريج جيل يحمل على عاتقه مهمة الدعوة للمذهب السني، والانتصار له. وقد استفاد نور الدين من عدد كبير تخرجوا من النظاميات يأتي الحديث عنهم لاحقاً بإذن الله تعالى، واستطاع نور الدين أن يستغل ذكاء مواهب العلماء البارزين في عصره، ويستعين بهم في دعم المذهب السني، وكانت شخصيته من أهم العوامل التي ساعدته على النجاح في المهمة التي سعى لتحقيقها، فمن أبرز صفاته: أنه كان يثق بالعلماء ثقة مطلقة، ولا يسمح لأحد أن يتناول واحداً منهم بمقالة سوء، فازدادت منزلة العلماء سمواً، وأصبحوا محل ثقة جمهور المسلمين، وتقديرهم، كما كان يحرص على حضور مجلس العلم كلما سمحت له ظروفه بهذا، ويواظب على عقد مجالس الوعظ، ويستمع ـ مع الناس ـ للحافظ ابن عساكر، ولقطب الدين النيسابوري، وغيرهما من الوافدين على دمشق من أنحاء العالم الإسلامي(1).

كان نور الدين كقائد سياسي وعسكري على قناعة راسخة بالخطورة العظيمة التي يمثلها المدُّ الشيعي الرافضي في سبيل نهوض الأمة، والاستمرار في المقاومة للصليبيين، ولذلك جعل من أهدافه القضاء على الدولة الفاطمية، التي ترعى الفكر الشيعي الرافضي، والعمل على التصدي لدعاة التشيع الرافضي بالفكر، والعلم، والثقافة، والسياسة، والقوة.

وقد تحدثنا عن شخصية نور الدين وأهم صفاته في مبحث مستقل، فقد كان سلوك نور الدين محمود زنكي من عوامل انتصار المذهب السني، لأن أبرز ما كان يتبجح به الشيعة في الدعوة إلى مذهبهم هو التنديد بمسلك حكام السنة المنغمسين في ترفهم، اللاهين في ملاذهم، وشهواتهم، الغارقين في مظالمهم.

وكانت النغمة السائدة لدى دعاتهم: أنَّ الإمام المهدي (القائم أو الغائب) سيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، يستدرجون بهذا المحرومين، والمسحوقين، حتى يجذبونهم إلى صفوفهم، ويدخلونهم في دعوتهم، فجاء نور الدين يدعم المذهب السني بأخلاقه وسلوكه، وحسن سياسته في رعيته، ثم بجهوده الفكرية الرائعة(2).

إن نور الدين محمود أيقن بأن العقيدة التي تصلح لجمع شتات المسلمين، هي ما كان منبعها كتاب الله، وسنة رسوله، ويمكن التدليل على كل أصل من أصولها، أو جزئية من جزئياتها، ثم إن السلف الصالح، الذين استقاموا على عقيدة الإسلام الحق دوَّنوا هذه العقيدة تدويناً ميزها عن عقائد أهل الفرق والضلال، فلذلك عمل على معرفتها، وتعليمها، وتربية الناس عليها من خلال جهاز العلماء في الدولة، فالطريق للنهوض لابد فيه من وحدة الصف، ووحدة الصف ليس لها من سبيل إلا الإسلام الصحيح، والإسلام الصحيح مصدره القران والسنة، والطريق لفهم القران والسنة هي طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، والتابعين بإحسان، ومن سار على نهجهم وطريقتهم إلى يوم الدين.

قال تعالى:﴿ وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلْأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَٰجِرِينَ وَٱلْأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَٰنٍۢ رَّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ﴾ [التوبة: 100] فوعد من اتبع غير سبيلهم بعذاب جهنم، ووعد متّبعهم بالجنة والرضوان(3).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته»(4).

وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: (اتبعوا، ولا تبتدعوا، فقد كفيتم)(5). وعنه ـ رضي الله عنه ـ: (من كان متأسياً فليتأسَ بأصحاب رسول الله، فإنهم كانوا أبرَّ هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، وأقومها هدياً، وأحسنها حالاً، قوم اختارهم الله لصحبةِ نبيه، وإقامة دينه، فاعرفوا له فضلهم، واتِّبعوهم في اثارهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم)(6). ولذلك حرص الملك العادل على بناء دولة العقيدة على أصول منهج أهل السنة والجماعة.

 

مراجع الحلقة العاشرة بعد المائة:

(1) كتاب الروضتين نقلاً عن التاريخ السياسي والفكري ص 224.

(2) التاريخ السياسي والفكري للمذهب السني ص 225.

(3) فقه النصر والتمكين في القران الكريم ص 263، 264.

(4) مسلم، كتاب الصحابة رقم 2533.

(5) رواه مالك في الموطأ رقم 1619.

(6) حلية الأولياء (1/379).

 

يمكنكم تحميل كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022