(شجاعة نور الدين زنكي)
من كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي
الحلقة: 96
بقلم: د.علي محمد الصلابي
جمادى الآخرة 1444ه/ يناير 2023م
ورث نور الدين محمود الشجاعة عن والده، عماد الدين زنكي، الذي يضرب بشجاعته المثل، فقد شارك نور الدين في كافة المعارك التي خاضها والده خلال فترة حكمه (521 ـ 541هـ) ومن بعد توليه الحكم أمضى معظم أيام حياته على صهوة جواده، يشارك جنوده، ويتقدَّم الصفوف، ويعرض نفسه للشهادة.
وقد ورد أفضل وصف لشجاعته على لسان ابن الأثير بقوله: «وأما شجاعته، وحسن رأيه؛ فقد كانت النهاية إليه فيهما، فإنه كان أصبر الناس في الحرب، وأحسنهم مكيدة ورأياً، وأجودهم معرفة بأمور الأجناد وأحوالهم، وبه يضرب المثل في ذلك، سمعت جمعاً كثيراً من الناس لا أحصيهم يقولون: إنهم لم يروا على ظهر الفرس أحسن منه، كأنه خلق منه لا يتحرك، ولا يتزلزل. وبلغني: أنه في الحرب رابط الجأش، ثابت القدم، صليب الضرب، يقدم أصحابه عند الكرة، ويحمي منهزمهم عند الفرَّة»(1).
وعندما فاجأ الفرنجة معسكره بالقرب من حصن الأكراد عام 558هـ/1163م، ولم يتمكن هو ومن كان معه من الثبات، انسحب باتجاه حمص مسافة اثنتي عشر كيلو متراً، وتوقف حتى تجمَّع عنده من نجا من المعركة، وأرسل في طلب الخيام، والسلاح، والمؤن من حمص، وحلب، وأقام معسكره في نفس المكان، فنصحه بعض قادته باختيار موقع أبعد خوفاً من متابعة الفرنجة لهم، فأجابه: إذا كان معي ألف فارس لا أبالي بأعدائي قلوا أم كثروا، والله لا أستظل بجدار؛ حتى اخذ بثأر الإسلام وثأري(2)! ولم يغادر مكانه إلا عندما تجمعت له القوَّات الكافية، فتوجه بها نحو حارم؛ حيث وقعت معركة حارم المشهورة وبرَّ نور الدين بقسمه(3). وقد تحدَّث الشعراء عن صفة الشجاعة، وشبهوا نور الدين بالأسد، بل هو يأسر الأسود، ويتغلب عليها، يقول ابن القيسراني:
من باتـــــــــت الأُســـــــد أســــــــرى فــــي سلاسلــــــــــــــــــه هـــــــل يأســـــر الغلـــــــب إلا مـــــــن لــــــــه الغلــــــــــــــــــــــــــــــــــــب(4)
ويقول أيضاً:
أنــــــــــت حينــــــــاً تقـــــــــــــــــــــــــــــــاس بالأســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد الـــــــــــــورد وحينـــــــــــــــــــاً تُعـــــــــــــــــدُّ فـــــــــي الأوليــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء(5)
وهو عند الأصفهاني يغلب الملوك، ويصيد الأسود، وهو فارس الفرسان، ويسلب التيجان من الملوك الاخرين، ويجوز الفخار لشجاعته وبطولته، يقول العماد في مدحه:
يـــــــا غالــــــــب الغلــــــــب الملــــــــوك وصائـــــــــــــــــــــــــــــــــــــد الصِّيـــــــــــــــــد الليـــــــــــــــــــــوث وفــــــــــــــــــارس الفرســــــــــــــــــــــــــــــــان
يـــــــا سالــــــــب التيجــــــــــــان مـــــن أربابهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا حـــــــــزت الفخـــــــار علــــــــى ذوي التيجــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــان(6)
وقال ابن قسيم الحموي:
تبــــــدو الشجـــــــــــاعة مــــــن طلاقــــــة وجهــــــــــــــــــــــــــــــه كالرُّمــــــــــــــــــح دلَّ علـــــــــــــى القســـــــــــــــــــاوة لينـــُــــــــــــــــــــــــــــــــــــــهُ
ووراء يقظتــــــــــــــه أنــــــــــــــــــــــــــاة مُـــجـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرِّب للـــــــــــــــــــــــــــه سطـــــــــــــــــوة بأســــــــــــــــــــــــه وسُكُونــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه(7)
وقال ابن منير:
مــــــــــلأ البـــــــــلاد مواهبــــــــــــــــــــــــــاً ومهابــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة حتـــــــــــــــــى استرقــــــــــــت آيــــــــــــــــة أحرارهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا(8)
وقال أيضاً:
متهلــــــــــــــــــــل والمــــــــــــــــــــوت فــي نبراتــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه يُرجـــــــــــى ويرهـــــــــب خوفـــــــــــــــــــه وعقابــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه (9)
مراجع الحلقة السادسة والتسعون:
(1) الباهر ص 168 دور نور الدين محمود في نهضة الأمة ص 125.
(2) دور نور الدين محمود في نهضة الأمة ص 125.
(3) الباهر ص 117 ـ 118 دور نور الدين محمود في نهضة الأمة ص 126.
(4) كتاب الروضتين (1/154).
(5) المصدر نفسه (1/245).
(6) ديوان العماد ص 410 نور الدين في الأدب العربي ص 69.
(7) كتاب الروضتين نقلاً عن نور الدين في الأدب العربي ص 70.
(8) ديوان ابن منير ص 217 نور الدين في الأدب العربي ص 70.
(9) نور الدين في الأدب العربي ص 70.
يمكنكم تحميل كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي