الأربعاء

1446-11-02

|

2025-4-30

(اهتمام نور الدين زنكي بالمذهب الشافعي في حلب)

من كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي

الحلقة: 104

بقلم: د.علي محمد الصلابي

شعبان 1444ه/ فبراير 2023م

 

كان نور الدين محمود يتّبع مذهب الإمام أبي حنيفة، إلا أنه أنشأ للشافعية في حلب ثلاث مدارس هي: النفريَّة، والعصرونيّة، والشعيبيّة، وأسند الأولى إلى أستاذ من أساتذة النظاميات، والثانية إلى تلميذ من أنبغ من خرَّجت نظاميّة بغداد، وهو شرف الدين بن أبي عصرون، وفي الوقت الذي لم ينشىء فيه لأهل مذهبه إلا مدرسة واحدة، وهي الحلاوية السالفة الذكر. لاعتقاده بأن علماء المدارس النظامية؛ لهم القدرة على الإحياء السني، وقمع شبهات المبتدعة من الشيعة الرافضة أكثر من غيرهم، وذلك بسبب خبرة المدارس النظامية وخريجيها على مواجهة المد الباطني الشيعي، وقدرتها على كشف باطلها بأسلوب علمي رصين، إضافة إلى اهتمام المدارس النظامية بنشر العلم الشرعي، والإحياء السني الكبير، ولأنَّ البيئة الحلبية تحتاج إلى ذلك النوع من علماء أهل السنة، والذي يقوي هذا المذهب أن نور الدين لم يسلك سبيلاً مشابهاً لهذا المسلك في دمشق، بعد أن استولى عليها؛ إذ كانت حفاوته بمدارس الحنفية أكثر، فأنشأ فيها أشهر مدارسه وهي: النورية الكبرى، كما بنى للحنفية مدرسة أخرى بجامع القلعة عرفت بالنورية الصغرى.

وأما الشافعية فإنه أسس لهم مدرستين أو ثلاثاً على خلاف بين المؤرخين(1). ويبدو: أن مدينة حلب كانت في حاجة ماسة إلى جهود أهل السنة من المذهب الشافعي المسلحين بدراسة الجدل، وعلم الكلام ليواجهوا الشيعة مواجهة فكرية، تشدُّ من أزر المواجهة السياسية، لذا رأينا نور الدين يكثر من بناء مدارس الشافعية لحلب، ويستقدم لها نوعية خاصة من الأساتذة ليتولوا مهمة التدريس بها، والإشراف عليها، وهذا ما لم يحفل به كثيراً في دمشق؛ حيث النفوذ السني غالب، فصرف همته إلى العناية بفقهاء مذهبه، والاهتمام بدار الحديث الشريف التي أنشأها(2).

الاستفادة من جهود علماء السنة: لم تقف جهود نور الدين في حلب عند حد العناية بإنشاء المدارس الحنفية، والشافعية، بل إنه كان حريصاً على أن يستفيد من جهود علماء السنة على اختلاف مذاهبهم في محاربة الفكر الشيعي، والتمكين لمذهب السنة، ولذلك كان يعتني أيضاً بعلماء المالكية والحنابلة، وفقهائهم، فأوقف زاويتين بالمسجد الجامع في حلب، وخصص إحداهما لفقهاء الحنابلة، والأخرى للمالكية، وبذلك نجح نور الدين في التخفيف من حدة الصراع المذهبي بين المذاهب السنية المختلفة(3)، وتوحيدها في جبهة واحدة، ووفقه الله في توحيد جهود علماء السنة لمحاربة الفكر الشيعي(4).

 

مراجع الحلقة الرابعة بعد المائة:

(1) التاريخ السياسي والفكري للمذهب السني في المشرق ص 210.

(2) المصدر نفسه ص 211.

(3) المصدر نفسه ص 211.

(4) الحياة العلمية في العهد الزنكي ص 87.

 

يمكنكم تحميل كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022