(الحياة رحمة)
حلقة من كتاب "فقه الحياة" لمؤلفه الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
الحلقة: الخامسة
6 ذو الحجة 1444ه/ 24 يونيو 2023م
الحياة تعب، والحياة رحمة: والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾، ولما دعا إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال: ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِن الثَّمَرَاتِ مَن آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾، فالدنيا متاع قليل، والله جلَّ وعلا جعَل الفسحةَ في الدنيا للناس كلِّهم، فيستفيد منها وينتفع بها المؤمِن والكافر، والبَرُّ والفاجر، وهذا مِن سَعَةِ رحمة الله جلَّ وعلا، فعلينا أن نتعامَل مع الحياة مِن خلال هذا المنطلَق، فنتعامَل معها بسَعَتها ورحابتها، ونوسِّع قلوبَنا برحمة الله عزَّ وجلَّ، والدعاء للخَلْق، والحرص على هدايتهم.
إن الواقع يؤكِّد أنَّ الناس إذا لم يكن لديهم تربية وإيمان لا ينجحون في نهاية المطاف، وأصحاب نبينا ﷺ كانوا قادرين على الجمع بين القتال في سبيل الله، وبين تدبير أمور الحياة بدرجة الكمال، ولذلك كانوا يقاتلون، ثم إذا فتحوا البلاد أداروها كأحسن ما تكون الإدارة؛ لأنهم تدرَّبوا على هذا الأمر، وتخلَّقوا له، بينما كثير من التجارب الإسلاميَّة -وخاصَّة المعاصِرة- خلاف ذلك، فالشابُّ يتعامل مع البندقيَّة في قتاله مع عدوِّه، فيقَع في مزالِقَ كثيرة؛ ويعتقِد أنَّ البندقيَّة حلٌّ لجميع المشكلات، حتى مع إخوانه، لتتحول به إلى تصفيات ذاتيَّة.
إن الشيء الـْمُؤسِف هو وجود حالات الاقتتال الداخليِّ في بلاد المسلمين، أكثر مِن غيرهم.
وهذا يدلُّ على وجود معاناة عند المسلمين في هذه المرحلة، وسُوء فَهْمٍ، وإصرار عليه، وعدم إدراك للمصلحة العامَّة، وهذا تشويه لصورة الإسلام أمام العالم، وأيُّ إنسان نشأ خارج العالم الإسلامي، ويريد أن يتعرَّف على الإسلام، سيرى أنَّ أُمَّة الإسلام هي أُمَّة الاقتتال والضعف والتخلُّف والجهالة، أُمَّة عندها إمكانات هائلة من الثروات، والموقع الاستراتيجيِّ، والعدد البشريِّ، هي في عصر المدنيَّة والحضارة والتقدُّم ولم تأخذْ بناصية العلم، وإنما ظلَّت تتقاتَل فيما بينها.
إن هذه الصورة لا تحفِّز على الإعجاب بهذا الدين والبحث عنه، بل تصْرِف عن الإسلام، وتعطي عنه انطباعًا خاطئًا.
نحن نعرف أن ديننا حقٌّ وصواب؛ لأننا قَرَأْنا القرآن والسنة، لكن البعيد لا يعرِف هذا إلا من خلال واقع المسلمين؛ ولذلك قال بعض الحكماء: «إن الإسلام محجوب بمساوئ أهله». وقد آن الأوان أن تُصَحَّح هذه الصورة.
إن النهضة ليست أمرًا مستحيلًا، فهناك دول -مثل: الصين، وسنغافورة، وماليزيا- نهضت في سنوات معدودة في جوانبَ كثيرةٍ جدًّا، وأصبحت مَقْصِدًا للعلماء والمفكِّرين والخبراء وغير ذلك، وبلاد الإسلام تملِك إمكانات كبيرة جدًّا، لا بد من استثمارها وتفعيلها، وهذا ما يجب أن يُفَكِّر فيه الناس.
إن انتصار اليهود في فلسطين ليس انتصارًا عسكريًّا في المعركة، بل في إيجاد نظامهم السياسيِّ، وضَبْطِ نظامِهم، إلى غير ذلك من ألوان النجاح التي استطاعوا بها الانتصار علينا.
إن الله سبحانه وتعالى رفيق يحبُّ الرفق في الأمرِ كلِّه، مِن الرفق بالولد والطلاَّب، والتعامل مع غير المسلمين بالحكمة والموعظة الحسنة، أما الحرب فلها حينها، ولا يمكِنُ أن نتصوَّر الحياة بغير حرب، فهي جزء من الحياة، ولكنها ليست كلَّ الحياة، وهذا هو المعنى الذي نؤكِّده، فالحياة أوسع من ذلك بكثير.
والجهاد له شروط، مثله مثل الصلاة حيث لا بدَّ لها من ضوابط، وهذا معنى ضروريٌّ ومهمٌّ جدًّا، زِدْ على ذلك أن الصلاة مهمَّة فرديَّة، فالإنسان يُمْكِن أن يصلِّيَ وحدَه، لكن الجهاد مِن المصالح العامَّة المرتبِطة بالسياسة الشرعيَّة، فالشابُّ ينبغي أن يعلَم أنه شخص في أُمَّة، ولا ينبغي أن يستأثِر برأيه، ولا بدَّ أن يراعيَ مصلحة الأُمَّةِ عامَّة، وأنها فوق المصلحة الخاصَّة.
إن الأُمَّة بحاجة إلى الهدوء والبناء والإعمار، وبحاجة إلى الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة بالتي هي أحسن، وإلى طول النفَس والصبر وعدم التعجل، أو محاولة تخطي السنن وقوانين الحياة، فالله لا يعجل لعجلة أحد؛ ولكنكم تستعجلون.
هذه الحلقة مقتبسة من كتاب"فقه الحياة" للشيخ سلمان العودة، صص 24-27