الأربعاء

1446-11-02

|

2025-4-30

تأملات في الآية الكريمة

﴿ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾

الحلقة: 56

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

 

إعلام غيبيّ من الله تعالى ليوسف عليه السلام زاخر بالمعاني، غنيّ بالإشارات، منها ما يلي:

- لقد أعلم الله تعالى نبيه أنّه سيعود ليلتقي بإخوته لاحقاً، مما يشير إلى أنّ دورة الحياة مهما ذهبت به بعيداً، فإنه سيلتئم شمل عائلته من جديد مما يُهدئ نفسه وهو في أشدّ أوقات محنته.

- وفيه إعلام بأنّه يجتمع بهم مجدداً، ويكون قد مرّ وقت طويل تتغيّر ملامحه فيكون قد أصبح رجلاً، يعرفهم ولا يعرفونه، يختار هو الوقت والمناسبة لتعريفهم بنفسه.

- وفيه إعلام بأنّه حين يجتمع بهم مجدداً، تكون له الغلبة في الموقف فيكون هو الطرف القوي، ويكونون هم في موضع الضعف ويستشعر الإمداد بالقوة، من قوله تعالى: ﴿لتنبئنهم﴾، ففيها التوكيد على حصول اللقاء، وفيها التوكيد على العلوِّ ساعة اللقاء.(1)

إنّ الله سبحانه وتعالى آنسه وهو في قعر الجبّ وظلمتها، فأزال وحشته، ونفّس كربته، بما أوحي إليه، فتحول قعر الجبّ المظلمة الموحشة إلى أنس ونور، ولا يتخلّى سبحانه عن أصفيائه وأوليائه أبداً، يمدّهم ويرعاهم، ويكلؤهم برحمته وعنايته، وهم في ذروة معاناتهم، فعندما كان رسول الله ﷺ في غار ثور، والمشركون محدّقون بالغار من كلّ جانب، والسيوف بأيديهم مشرّعة وقلوبهم ممتلئة بالحقد والغضب، وأبو بكر يذرف الدمع بصمت، وهو داخل الغار مع رسول الله ﷺ خوفاً عليه، أنزل الله قوله الكريم: ﴿ إلّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الّذين كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الّذين كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 40].

وعندما خرج رسول الله ﷺ من مكّة مهاجراً إلى المدينة المنورة، ونظر إليها نظرة مودّع أنزل الله عليه قوله الكريم مثبتاً له ومبشراً إياه بالعودة إليها: ﴿إِنَّ الّذي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [القصص: 85]. ولما خافت أمّ موسى على ولدها من فرعون ووحشيّته وذبحه للأطفال وقتلهم، أوحي الله إليها أن تلقيه في اليم، وهو أمر كبير وخطير على كلّ أم في مثل موقف أم موسى، فثبّتها الله سبحانه وسكّن قلبها وأزال حزنها: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص: 7]. وانتظر إخوة يوسف بعد ارتكاب جريمتهم حلول الظلام ليستتروا به وجاؤوا بالكذب الشنيع لإخبار والدهم المبتلى.(1)

مراجع الحلقة السادسة والخمسون:

(1) لطائف التفسير في سورة يوسف، ص 65.

يمكنكم تحميل كتاب النبي الوزير يوسف الصديق عليه السلام

من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/668


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022